اليهوديّ، وفيه: "فقال: لا أنزل عن دابّتي حتى يُقتل، فقُتل"، قال أحدهما: وكان قد استُتيب قبل ذلك. وله من طريق أبي إسحاق الشيبانيّ، عن أبي بُردة: "أُتي أبو موسى برجل قد ارتدّ عن الإسلام، فدعاه، فأبى عشرين ليلة، أو قريبًا منها، وجاء معاذ، فدعاه، فأبى، فضرب عنقه". قال أبو داود: رواه عبد الملك بن عُمير، عن أبي بُردة، فلم يذكر الاستتابة، وكذا ابن فُضيل، عن الشيبانيّ. وقال المسعوديّ، عن القاسم- يعني ابن عبد الرحمن- في هذه القصّة: "فلم ينزل حتى ضرب عنقه، وما استتابه".
قال الحافظ: وهذا يعارضه الرواية المثبتة أن معاذًا استتابه، وهي أقوى من هذه، والرواياتُ الساكتةُ عنها لا تعارضها، وعلى تقدير ترجِيح رواية المسعوديّ، فلا حجّة فيه لمن قال: يُقتل المرتدّ بلا استتابة؛ لأن معاذًا يكون اكتفى بما تقدّم من استتابة أبي موسى. انتهى كلام الحافظ (¬1). واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث أبي موسى الأشعريّ - رضي اللَّه تعالى عنه - هذا متّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا-14/ 4068 - وفي "الكبرى" 14/ 3529. وأخرجه (خ) في "المغازي" 4342 و 4343 و 4345 (م) في "الإمارة" 1824 (د) في "الحدود" 4354 و 4355 (أحمد) في "أول مسند الكوفيين" 19167. واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان حكم المرتدّ، وهو وجوب قتله، وهو مجمع عليه، وإنما الخلاف في حكم استتابته، وسيأتي البحث عنه في الباب التالي، إن شاء اللَّه تعالى. (ومنها): أنه ينبغي للشخص أن يُعرّف برتبته لمن لا يعرفه، حتّى يستفيد منه، ولا يُقصّر في حقّه، فإن معاذًا - رضي اللَّه تعالى عنه - لَمّا أتى قال: "أيها الناس، إني رسول رسول اللَّه إليكم". (ومنها): تزاور الإخوان، والأمراء، والعلماء. (ومنها): إكرام الضيف، حيث إن أبا موسى ألقى لمعاذ - رضي اللَّه تعالى عنهما - وسادة؛ إكرامًا له. (ومنها): المبادرة إلى إنكار المنكر. (ومنها): وجوب إقامة الحدّ على من وجب عليه. (ومنها): ما قاله القرطبيّ: أن ظاهره يدلّ على أنه - صلى اللَّه تعالى عليه
¬__________
(¬1) "فتح" 14/ 276.