كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 31)

مات بالكوفة. وهو أخو عمرو، وكان أسنّ منه. وقال الزبير بن بكّار: قُتل بظهر الحِيرة (وَعمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ) بن عامر بن مالك الْعَنْسيّ، مولى بني مخزوم، أبو الْيقْظان الصحابيّ المشهور، من السابقين الأولين، بدريّ قُتل بصفّين مع عليّ - رضي اللَّه تعالى عنهما - سنة (37)، وتقدّمت ترجمته في 195/ 312 (فَسَبَقَ سَعِيدٌ عَمَّارًا، وَكَانَ أَشَبَّ الرَّجُلَيْنِ) أي أحدثهما سنًّا، وأجلدهما، وأقواهما؛ لكونه في أوائل شبابه (فَقَتَلَهُ) وقيل: إن الذي قتله هو أبو برزة الأسلميّ، وقيل: قتله سعيد بن ذؤيب، وقيل: قتله الزبير بن العوّام، وتقدّم كلّ هذا في "كتاب الحجّ" في 107/ 2868 - "باب دخول مكة بغير إحرام".
(وَأَمَّا مَقِيسُ بْنُ صُبَابَةَ، فَأَدْرَكَهُ النَّاسُ فِي السُّوقِ) أي سوق مكة (فَقَتَلُوهُ، وَأَمَّا عِكْرِمةُ) بن أبي جهل (فَرَكِبَ الْبَحْرَ، فَأَصَابَتْهُمْ عَاصِفٌ) أي ريح شديدة، يقال: عصفت الريح عَصفًا، من باب ضرب، وعُصُوفًا: اشتدّت، فهي عاصفٌ، وعاصفةٌ، وجمع الأولى عَوَاصف، والثانية عاصفات، ويقال: أعصفت، ويقال: أعصفت بالهمزة أيضًا، فهي مُعصفةٌ، ويُسند الفعل إلى اليوم والليلة؛ لوقوعه فيهما، فيقال: يومٌ عاصفٌ، كما يقال: باردٌ؛ لوقوع البرد فيه. قاله الفيّوميّ (فَقَالَ أَصْحَابُ السَّفِينَةِ: أَخْلِصُوا) توحيدكم للَّه تعالى (فإِنَّ آلِهَتَكُمْ، لَا تُغْنِي عَنْكُمْ شَيْئًا هَاهُنَا) أي في هذا الموضع الذي ماج فيه البحر، واضطرب، وكادت تغرق فيه السفينة، فلا منجي إلا اللَّه تعالى (فَقَالَ عِكْرِمَةُ: واللَّهِ لَئِنْ لَمْ يُنَجِّنِي) بتشديد الجيم، من التنجية، أو تخفيفها، من الإنجاء (مِنْ الْبَحْرِ، إِلاَّ الإخْلَاصُ) أي إخلاص التوحيد للَّه سبحانه وتعالى (لا يُنَجِّيني فِي الْبَرِّ غَيْرُهُ) أي لأن البرّ والبحر في تصرّفه وحده لا شريك له (اللَّهُمَّ إِنَّ لَكَ عَلَيَّ عَهْدًا) أي ميثاقًا (إِنَّ أَنْتَ عَافَيْتَني) أي خلّصتني، وأخرجتني (مِمَّا أَنَا فِيهِ) من شدّة الخوف من الغرق (أَنْ آتِيَ مُحَمَّدًا - صلى اللَّه عليه وسلم -،) "أَنْ" بفتح الهمزة، مصدريّة، والفعل في تأويل المصدر مجرور بحرف محذوف قياسًا: أي بإتيان محمد - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - (حَتَّى أَضَعَ يَدِي فِي يَدِهِ) كناية عن مبايعته على الإسلام (فَلأَجِدَنَّهُ عَفُوًّا كَرِيمًا) يريد أن يؤكّد لنفسه ما عزمت به من الإتيان إليه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - بأن خلُقه - صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - العفو، والصفح، والكرم، فمن كان مجبولًا على هذا الأخلاق الكريمة يحقّ لمن عاداه أن يأتي إليه تائبًا، وينال من كرمه العظيم العميم (فَجَاءَ، فَأَسْلَمَ) فأبلى في الإسلام بلاء حسنًا، حتى استُشهد في خلافة عمر، وقيل: في خلافة أبي بكر - رضي اللَّه تعالى عنهم -.
(وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَعْدِ بْنِ أَبِي السَّرْحِ، فَإنَّهُ اخْتَبَأَ) بالهمز: أي اختفى، واستتر خوفًا من القتل (عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ) لأنه أخوه من الرضاعة، كما سبق (فَلَمَّا دَعَا رَسُولُ اللَّهِ - صلى اللَّه عليه وسلم -، النّاسَ إِلَى البَيْعَةِ) بعد أن استقرّ الحال في مكة، وقُتل من قُتل ممن أمر النبيّ - صلى

الصفحة 402