رفعه على أنه اسم "كان"، ونصبه على أنه خبرها: أي كان الزمان، أو الوقت ذات ليلة. وقيل: يجوز نصبه على الظرفية: أي كان الأمر في ذات ليلة، ثم "ذات ليلة" قيل: معناه: ساعة من ليلة. وقيل: معناه: ليلة من الليالي، و"ذات" مقحمة. انتهى (¬1) (ذَكَرْتُ) بضمّ التاء، فهو ضمير المتكلّم، والكلام من قوله: "فلما كان ذات ليلة الخ" لذلك الأعمى (النَّبِيَّ) بالنصب مفعول "ذكرت" (- صلى اللَّه عليه وسلم -، فَوَقَعَتْ فِيهِ) قال السنديّ: قيل: تعدى بـ "في" لتضمينه معنى الطعن، يقال: وقع فيه: إذا عابه، وذمّه انتهى (فَلَمْ أَصْبِرْ) بكسر الباء (أَنْ قُمْتُ) الفعل في تأويل المصدر مجرور بحرف جرّ محذوف قياسًا، كما قال ابن مالك في "خلاصته":
وَعَدِّ لَازِمًا بِحَرْفِ جَرّ ... وَإِنْ حُذِفْ فَالنَّصْبُ لِلمُنْجَرِّ
نَقْلًا وَفِي "أَنَّ" و"أَنْ" يَطَّرِدُ ... مَعْ أَمْنِ لَبْسٍ كَـ "عجِبْتُ أَنْ يَدُو"
والتقدير هنا: فلم أصبر عن القيام (إِلَى الْمِغْوَلِ) متعلّق بـ "قمتُ"، و"الْمِغْول" بكسر الميم، وسكون الغين المعجمة-: شبه سيفٍ قصير، يشتمل به الرجل تحت ثيابه، فيغطيه. وقيل: حديدة دقيقة، لها حدٌّ ماض، وقَفًا. وقيل: هو سَوْطٌ في جوفه سيف دقيقٌ يَشُدّه الفاتك على وسطه؛ ليغتال به الناس. قاله في "النهاية" (¬2).
(فَوَضَعْتُهُ فِي بطنِها، فَاتَّكَأْتُ عَلَيْهِ) أي اعتمدت على ذلك الْمِغْوَل (فَقَتَلْتُهَا، فَأَصْبَحَتْ قَتِيلًا) إنما لم يقل: قتيلة؛ لأن فعيلًا بمعنى مفعول يستوي فيه المذكّر والمؤنث.
وفي رواية أبي داود: "فقتلها، فوقع بين رجليها طفلٌ، فَلَطَخَت ما هُناك بالدم". (فَذُكِرَ) بالبناء للمفعول (ذلِك) أي كونها مقتولة (لِلنَّبِيِّ - صلى اللَّه عليه وسلم -) وفي رواية أبي داود: "فلما أصبح ذُكر ذلك للنبيّ صلى اللَّه تعالى عليه وسلم - (فَجَمَعَ النَّاسَ، وَقَالَ: "أَنْشُدُ اللَّهَ رَجُلًا) أي أسال رجلاً مُقسمًا باللَّه تعالى، يقال: نشدتك اللَّه، وباللَّه، أنشُدُك، من باب نصر: ذكّرتك به، واستعطفتك، أو سألتك به مُقسمًا عليه. أفاده الفيّوميّ. والمناسب هنا المعنى الأخير. وقوله (لي عَلَيْهِ حَقٌّ) جملة من مبتدإ وخبر، في محلّ نصب صفة لـ "رجلاً"، والمعنى: أسأل باللَّه تعالى رجلاً مسلما تجب عليه طاعتي، وإجابة دعوتي، وإنما ناشد بهذا الأسلوب تأكيدًا؛ لعظم الأمر. وقوله (فَعَلَ مَا فَعَلَ) "ما" اسم موصول: أي الفعل الذي فعله، من قتل هذه الجارية، والجملة صفة لـ"رجلًا" بعد صفة، أو حال منه (إِلَّا قَامَ) أي من مجلسه حتى يعترف بأنه القاتل لها (فَأَقْبَلَ
¬__________
(¬1) "شرح السنديّ" 7/ 108.
(¬2) "النهاية" 3/ 397.