كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 32)

مسائل تتعلّق بهدا الحديث:
(المسألة الأولى): في درجته:
حديث ابن عبّاس - رضي اللَّه تعالى عنهما - هذا صحيح.
(المسألة الثانية): في بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا-15/ 4070 - وفي "الكبرى" 15/ 3531. وأخرجه (د) في "الجهاد" 2683 و 4359. واللَّه تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): في فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف -رحمه اللَّه تعالى-، وهو بيان حكم توبة المرتدّ، وهو القبول. (ومنها): بيان سبب نزول هذه الآيات الكريمات. (ومنها): أن الرّدّة تُبطل الأعمال الصالحة. (ومنها): أن التوبة النصوح تمحو ما قبلها من الذنوب أيًّا كان نوعه. (ومنها): بيان سعة فضل اللَّه تعالى، ووافر كرمه، حيث يَقبَل من أعرض عنه، إذا تاب إليه. واللَّه تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في استتابة المرتد:
قَالَ ابْن بَطَّال: اخْتُلِفَ فِي اسْتِتَابَة الْمُرْتَدّ، فَقِيلَ: يُسْتَتَاب، فَإِنَّ تَابَ، وَإلَّا قُتِلَ، وَهُوَ قَوْل الْجُمْهُور. وَقِيلَ: يَجِب قَتْله فِي الحَال، جَاءَ ذَلِكَ عَنْ الحَسَنُ، وَطَاوُس، وبِهِ قَالَ أَهْل الظَّاهِر. وَنَقَلَهُ ابْن الْمُنْذِر عَنْ مَعَاذ، وَعُبَيْد بْن عُمَيْر، قال الحافظ: وَعَلَيْهِ يدُلّ تَصَرُّف الْبُخَارِيّ، فإِنَّهُ اسْتَظْهَرَ بِالآيَاتِ الَّتِي لَا ذِكْر فِيهَا لِلِاسْتِتَابةِ، وَالَّتِى فِيهَا أَنَّ التَّوْبَة لَا تَنْفَع، وَبِعُمُوم قَوْله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "مَنْ بَدَّلَ دِينه فَاقْتُلُوهُ"، وبِقِصّةِ مَعَاذ الَّتِي بَعْدهَا (¬1)، وَلَمْ يَذْكُر غَيْر ذَلِكَ.
قَالَ الطحاوِيُّ: ذَهَبَ هَؤُلَاءِ إِلَى أنَّ حُكْم مَنْ ارتَدَّ عَنْ الإسْلَام، حُكْم الْحَرْبِيّ الَّذِي بَلَغَتْهُ الدَّعْوَة، فَإِنَّهُ يُقَاتَل مِنْ قَبْل أَنْ يُدْعَى، قَالُوا: وَإنَّمَا تُشْرَع الاسْتِتَابَة لِمَنْ خَرَجَ عَنْ الإسْلَام، لا عَنْ بَصِيرَة، فَأَمَّا مَنْ خَرَجَ عَنْ بَصِيرَة فَلا. ثُمَّ نَقَلَ عَنْ أَبِي يُوسُف مُوافَقَتهمْ، لَكِنْ قَالَ: إِنْ جَاءَ مُبَادِرًا بالتَّوْبةِ، خَلَّيْتُ سَبِيله، وَوَكَلْتُ أَمْره إِلَى اللَّه تَعَالَى. وَعَنْ ابْن عَبَّاس، وَعَطَاء: إنْ كَانَ أَصْله مُسْلِمًا لَمْ يُسْتَتَتْ، وَإِلَّا اسْتُتِيبَ. وَاسْتَدَلَّ ابْن الْقَصَّار لِقَوْلِ الْجُمْهُور بِالإجْمَاعِ -يَعْنِي السُّكُوتِيّ- لِأَنَّ عُمَر كَتَبَ فِي أَمْر الْمُرْتَدِّ: "هَلّا حَبَسْتُمُوهُ ثَلاثَة أيَّام، وَأَطْعَمْتُمُوهُ فِي كُلّ يَوْم رَغِيفًا، لَعَلَّهُ يَتُوب، فَيَتُوب اللَّه عَلَيْهِ؟ "، قَالَ: وَلَمْ يُنْكِر ذَلِكَ أَحَد مِنْ الصَّحَابَة، كَأَنَّهُم فَهِمُوا مِنْ قَوْله - صلى اللَّه عليه وسلم -: "مَنْ بَدَّلَ دِينه فَاقْتُلُوهُ"، أَيْ إِنَّ لَمْ يَرْجِع، وَقْدْ قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ
¬__________
(¬1) يعني قصّته مع أبي موسى الأشعريّ في قتل اليهوديّ المرتدّ المتقدّم في الباب الماضي.

الصفحة 8