كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)

تُسرّون إليهم أخبار النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بسبب المودّة التي بينكم وبينهم، مثلُ قوله تعالى: {تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ} الآية، ويجوز أن تكون "المودّة" مفعوله، والباء زائدة للتأكيد، مثلُ أخذت الخطام، وأخذت به، وعلى هَذَا فيقال: أسرّ الفاتحة، وبالفاتحة، قَالَ الصغانيّ: أسررت المودّةَ، وبالمودّة، ودخول الباء حملاً عَلَى نقيضه، والشيء يُحمل عَلَى النقيض، كما يُحمل عَلَى النظير، ومنه قوله تعالى: {وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا} الآية [الإسراء: 110]. قَالَ: والسرّ: ما يُكتم، وهو خلاف الإعلان، والجمع الأسرار. ويقال: أسررته: أي أظهرته، فهو منْ الأضداد، وأسررته: نسبته الى السرّ. انتهى كلام الفيّوميّ ببعض تصرّف.
(دُونَ النَّاسِ؟) أي دون سائر الصحابة -رضي الله عنهم-، أو دون سائر الأمّة (فَغَضِبَ عَلِيٌّ) رضي الله تعالى عنه (حَتَّى احْمَرَّ وَجْهُهُ) أي منْ شدّة غضبه؛ وإنما غضب بهذا السؤال؛ لتضمّنه باطلاً، وهو التقوّل عَلَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، كما افترته الشيعة عليه (وَقَالَ) رضي الله عنه (مَا) نافية (كَانَ) -صلى الله عليه وسلم- (يُسِرُّ إليَّ شَيْئًا، دُونَ النَّاسِ) قَالَ أبو العبّاس القرطبيّ رحمه الله تعالى فِي "المفهم" 5/ 244: قول عليّ -رضي الله عنه- هَذَا فيه ردّ، وتكذيب للفِرَق الغالية فيه، وهم: الشيعة، والإماميّة، والرافضة، الزاعمون أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وصّى لعليّ -رضي الله عنه-، وولّاه بالنصّ، وأسرّ إليه، دون النَّاس كلِّهم بعلوم عظيمة، وأمور كثيرة، وهذه كلّها منهم أكاذيب، وتُرّهاتٌ، وتمويهاتٌ، يشهد بفسادها نصوص متبوعهم، وما تقتضيه العادات منْ انتشار ما تدعو إليه الحاجة العامّة، وغضب عليّ -رضي الله عنه- عَلَى ذلك دليلٌ عَلَى أنه لا يرتضي شيئاً مما قيل هنالك. انتهى.
(غَيْرَ) منصوب عَلَى الاستثناء (أَنَّهُ) -صلى الله عليه وسلم- (حَدَّثَنى بِأرْبَعِ كَلِمَاتٍ) ولفظ مسلم: "غير أنه قد حدّثني بكلمات أربع" (وَأَنَا وَهُوَ فِي الْبَيْتِ) يحتمل أن يكون المراد به بيته -صلى الله عليه وسلم-، ويحتمل أن يكون بيت عليّ -رضي الله عنه-، أو بيت الله الحرام، والجملة فِي محلّ نصب عَلَى الحال (فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (لَعَنَ الله) أي طرده، وأبعده منْ رحمته، يقال: لعنه لعنًا، منْ باب نفع: إذا طرده، وأبعده، أو سبّه، فهو لعينٌ، أو ملعون. قاله الفيّوميّ (مَنْ لَعَنَ وَالِدَهُ) أي دعا عليه بأن يلعنه الله تعالى، أو سبّه. ولفظ مسلم: "والديه" بالتثنية، قَالَ القرطبيّ: وإنما استحقّ لاعن أبويه لعنة الله؛ لمقابلته نعمة الأبوين بالكفران، وانتهائه إلى غاية العقوق والعصيان، كيف لا، وَقَدْ قرن الله تعالى برّهما بعبادته، وإن كانا كافرين بتوحيده، وشريعته. انتهى.
(وَلَعَنَ الله مَنْ ذَبَحَ لِغَيْرِ اللهِ) قَالَ النوويّ فِي "شرح صحيح مسلم" 13/ 141: ما حاصله: المراد بالذبح لغير الله، أن يذبح باسم غير الله تعالى، كمن ذبح للصنم، أو

الصفحة 14