كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)

لطائف هَذَا الإسناد:
(منها): أنه منْ سداسيات المصنّف رحمه الله تعالى. (ومنها): أن رجاله كلهم رجال الصحيح. (ومنها): أنه مسلسل بالمدنيين منْ الزهريّ، وشيخه مروزي، ثم نيسابورين وعبد الرزاق ومعمر صنعانيان. (ومنها): أن فيه رواية تابعيّ عن تابعيّ. (ومنها): أن فيه سالمًا أحد الفقهاء السبعة، وفيه ابن عمر رضي الله تعالى عنهما أحد العبادلة الأربعة، واحد المكثرين السبعة، روى (2630) حديثًا. والله تعالى أعلم.
شرح الْحَدِيث
(عَنِ ابْنِ عُمَرَ) رضي الله تعالى عنهمِا (أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-، نَهَى أَن تُؤْكَلَ) بالبناء للمفعول (لُحُومُ الأَضَاحِيِّ بَعْدَ ثَلَاثٍ) أي نَهَى صاحب الأضاحي عن إبقاء لحومها إلى ما بعد ثلاث ليال، وأراد -صلى الله عليه وسلم- بذلك أن يتصدّقوا عَلَى الفقراء. قَالَ القاضي عياض: يحتمل أن يكون ابتداء الثلاث منْ يوم ذبحها، ويحتمل منْ يوم النحر، وإن تأخّر ذبحها إلى أيام التشريق، قَالَ: وهذا أظهر.
وَقَالَ القرطبيّ: ظاهر النهي عن الادخار التحريم. وقيل: كَانَ محمولا عَلَى الكراهة. واختُلف فِي أول الثلاثة الأيام التي كَانَ الادخار جائزًا فيها، فقيل: أولها يوم النحر، فمن ضحّى فيه جاز له أن يُمسك يوم النحر، ويومين بعده، ومن ضحّى بعده أمسك ما بقي له منْ الثلاثة الأيام منْ يوم النحر. وقيل: أولها يوم يُضحّي، فلو ضحّى فِي آخر أيام النحر، لكان له أن يمسك ثلاثة أيام بعده، وهذا الظاهر منْ حديث سلمة بن الأكوع -رضي الله عنه-، فإنه قَالَ فيه: "منْ ضحّى منكم، فلا يُصبحنّ فِي بيته بعد ثالثة شيء". قَالَ: ويظهر منْ بعض ألفاظ أحاديث النهي ما يوجب قولاً ثالثًا، وهو أن فِي حديث أبي عبيد: "فوق ثلاث ليال"، وهذا يوجب إلغاء اليوم الذي ضحّى فيه منْ العدد، وتُعتبر ليلته، وما بعدها، وكذلك حديث ابن عمر، فإن فيه: "فوق ثلاث": يعني الليال، وكذلك حديث سلمة، فإن فيه: "بعد ثالثة"، وأما حديث أبي سعيد، ففيه "ثلاثة أيام"، وهذا يقتضي اعتبار الأيام، دون الليالي. انتهى. "المفهم" 5/ 376 - 377.
وَقَالَ فِي "الفتح" 11/ 146: ما محصّله: يؤيد عدم الاعتداد باليوم الذي يقع فيه النحر منْ الثلاث، ما فِي حديث جابر: "كنا لا نأكل منْ لحوم بُدْنِنا فوق ثلاث مني"، فإن ثلاث مني تتناول يوما بعد يوم النحر، لأهل النفر الثاني. انتهى.
[تنبيه]: زاد فِي رواية للبخاريّ فِي آخر هَذَا الْحَدِيث: "وكان عبد الله يأكل بالزيت حين ينفر منْ مني، منْ أجل لُحوم الهدي". يعني أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، كَانَ لا يأكل منْ لحم الأضحيّة بعد ثلاث، فكان إذا انقضت ثلاث مني، ائتدم بالزيت، ولا يأكل اللحم، تمسّكًا بالأمر المذكور، ويحتمل أنه كَانَ يسوّي بين لحم الهدي

الصفحة 18