كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)

هو أن يخرج الحضريّ، إلى البادي، وَقَدْ جلب السلعة، فيُعَرِّفه السعر، ويقول: أنا أبيع لك، فنهى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فَقَالَ: "دعوا النَّاس، يرزق الله بعضهم منْ بعض"، والبادي هاهنا: منْ يدخل البلدة، منْ غير أهلها، سواء كَانَ بدويا، أو منْ قرية، أو بلدة أخرى، نَهَى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الحاضر، أن يبيع له، قَالَ ابن عباس رضي الله تعالى عنهما: "نهى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أن تتلقى الركبان، وأن يبيع حاضر لباد"، قَالَ: فقلت لابن عباس: ما قوله: "حاضر لباد"، قَالَ: لا يكون له سمسارا، متَّفقٌ عليه. وعن جابر -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يبيع حاضر لباد، دعوا النَّاس يرزق الله بعضهم منْ بعض"، رواه مسلم، وروى مثله ابنُ عمر، وأبو هريرة، وأنس -رضي الله عنهم-.
والمعنى فِي ذلك: أنه متى تُرك البدوي، يبيع سلعته، اشتراها النَّاس برخص، ويوسع عليهم السعر، فإذا تولى الحاضر بيعها، وامتنع منْ بيعها، إلا بسعر البلد، ضاق عَلَى أهل البلد، وَقَدْ أشار النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فِي تعليله إلى هَذَا المعنى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبيّن مما ذُكر أن أقرب التفاسير لبيع الحاضر للبادي، هو الذي فسّر به الشافعية، والحنبليّة؛ لأنه الموافق لإطلاق الْحَدِيث.
وحاصله أن يقدم غريب بدويًّا، أو قرويًّا بسلعة إلى البلد يريد بيعها بسعر الوقت؛ ليرجع إلى وطنه، فيأتيه بلديّ، فيطلب منه أن يضع سلعته عنده، حَتَّى يتربّص بها غلاء السعر، فيبيعها. والله تعالى أعلم.
(وَإِنْ كَانَ أَبَاهُ، أَوْ أَخَاهُ) أي وإن الذي يبيع لأجله منْ أقرب النَّاس إليه؛ وإنما جعله غاية؛ تأكيدًا للنهي. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث أنس رضي الله تعالى عنه هَذَا متَّفقٌ عليه.
(المسألة الثانية): فِي بيان مواضع ذكر المصنّف له، وفيمن أخرجه معه:
أخرجه هنا -17/ 4494 و4495 و4496 - وفي "الكبرى" 16/ 6083 و6084 و6085. وأخرجه (خ) دون قوله: "وإن أباه، أو أخاه" فِي "البيوع" 2161 (م) فِي "البيوع" 1523 (د) فِي "البيوع" 2440. والله تعالى أعلم.
(المسألة الثالثة): فِي اختلاف أهل العلم فِي النهي عن بيع الحاضر للبادي:
ذهب مالك، والشافعيّ، وأحمد، والأكثرون إلى أنه للتحريم، وذهب بعضهم إلى أنه للتنزيه، وذهبت طائفة إلى جوازه؛ لحديث: "الدين النصيحة"، وقالوا: حديث

الصفحة 197