كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)

وكتمت منه الْحَدِيث، وربّما دخلت اللام مكان "منْ"، فيقال: بعتك الشيء، وبعته لك، فاللام زائدة، زيادتها فِي قوله تعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ} الآية [الحج: 26]، والأصل بوّنا إبراهيم.
وقوله (ثَمَرًا) هو المفعول الثاني لـ"بعت" (فَأَصَابَتْهُ جَائِحَةٌ) أي أصابت ذلك الثمر آفة، قَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى فِي "المفهم" 3/ 87: الجائحة ما اجتاحت المالَ، وأتلفته إتلافًا ظاهرًا، كالسيل، والمطر، والحرق، والسرق، وغلبة العدوّ، وغير ذلك، مما يكون إتلافه للمال ظاهرًا (¬1).
وَقَالَ أيضًا فِي موضع آخر 4/ 426: واختلف أصحابنا -يعني المالكيّة- فِي حدّها، فرُوي عن ابن القاسم أنها ما لا يمكن دفعه، وعلى هَذَا الخلاف، فلا يكون السارق جائحة، وكذا فِي كتاب محمّد، وفي الكتاب: إنه جائحة. وَقَالَ مطرّفٌ، وابن الماجشون: الجائحة: ما أصاب الثمرة منْ السماء، منْ عَفَنٍ، أو برد، أو عطش، أو حرّ، أو كسر الشجر بما ليس بصنع آدميّ، والجيش ليس بجائحة. وفي رواية ابن القاسم: إنه جائحة. انتهى "المفهم" 4/ 426 "كتاب البيوع".
وَقَالَ ابن قُدامة رحمه الله تعالى: الجائحة كل آفة، لا صُنع للآدمي فيها، كالريح، والبرد، والجراد، والعطش؛ لما روى الساجي بإسناده، عن جابر: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قضى فِي الجائحة، والجائحة تكون فِي البرد، والجراد، وفي الحبق (¬2)، والسيل، وفي الريح، وهذا تفسير منْ الراوي لكلام النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فيجب الرجوع إليه (¬3).
وأما ما كَانَ بفعل آدمي، فَقَالَ القاضي: المشتري بالخيار، بين فسخ العقد، ومطالبة البائع بالثمن، وبين البقاء عليه، ومطالبة الجاني بالقيمة؛ لأنه أمكن الرجوع ببدله، بخلاف التالف بالجائحة. انتهى "المغني" 6/ 179.
(فَلاَ يَحِلُّ لَكَ أَنْ تَأْخُذَ مِنْهُ) أي منْ أخيك (شَيْئًا، بِمَ تَأْخُذُ مَالَ أَخِيكَ) أي فِي مقابلة الثمر الذي أصابته الجائحة. وقوله (بِغَيْرِ حَقٍّ") تأكيد للإنكار فِي أخذه، وذلك أن أخذه للثمن فِي مقابلة الثمر الهالك يكون أخذًا بغير حق، إذ لم يأخذ هو مقابله. وظاهره حرمة الأخذ، ووجوب وضع الجائحة، وبه يقول أحمد، وأصحاب الْحَدِيث، قالوا: وضع الجائحة لازم بقدر ما هلك. وَقَالَ الخطّابيّ: هي لندب الوضع منْ طريق المعروف، والإحسان عند الفقهاء. ولا يخفى أن هذه الرواية تبطل هَذَا التأويل. وقيل:
¬__________
(¬1) راجع "المفهم" 3/ 87 "كتاب الزكاة".
(¬2) هكذا نسخة "المغني"، ولم أهتد لمعنى هذه اللفظة، فالله تعالى أعلم.
(¬3) لكن يحتاج إلى صحة الْحَدِيث، ولم يذكر ابن قدامة سنده، حَتَّى ننظر فيه، فالله تعالى أعلم.

الصفحة 264