كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)

مضمومة، وزاي، وباء موحّدة، ونون: مفاعلة منْ الزَّبْن -بفتح الزاي، وسكون الموحّدة-: وهو الدفع الشديد، ومنه سُمّيت الحرب الزَّبُون؛ لشدّة الدفع فيها، وقيل للبيع المخصوص المزابنة؛ لأن كلّ واحد منْ المتبايعين يدفع صاحبه عن حقّه، أو لأن أحدهما إذا وقف عَلَى ما فيه منْ الغبن أراد دفع البيع بفسخه، وأراد الآخر دفعه عن هذه الإرادة بإمضاء البيع، هَذَا هو تفسير المزابنة لغة، وأما التفسير الشرعيّ، فهو ما بيّنه بقوله (وَالْمُزَابَنَةُ أَنْ يُبَاعَ مَا فِي رُءُوسِ النَّخْلِ) أي منْ الثمار (بِتَمْرٍ، بِكَيْلٍ مُسَمًّى) بدل منْ الجارّ والمجرور قبله.
ثم إن ذِكْرَ الكيل ليس بقيد، فِي هذه الصورة، بل لأنه صورة المبايعة التي وقعت إذ ذاك، فلا مفهوم له؛ لخروجه عَلَى سبب، أو له مفهوم، لكنه مفهوم الموافقة؛ لأن المسكوت عنه أولي بالمنع منْ المنطوق، ويستفاد منه أن معيار التمر والزبيب الكيل. أفاده فِي "الفتح" 5/ 129.
(إِنْ زَادَ لِي، وَإِنْ نَقَصَ فَعَلَيَّ) يعني أن البائع يقول للمشتري: إن زاد ما فِي رؤوس النخل فِي الكيل عَلَى التمر، فالزائد لي، وإن نقص عنه، فالخسارة عليّ. وسيأتي فِي الباب التالي تفسير المزابنة بقوله: "والمزابنة: بيع الثمر بالتمر كيلًا، وبيع الكرم بالزبيب كيلًا".
قَالَ فِي "الفتح": وهذا أصل المزابنة، وألحق الشافعيّ بذلك كل بيع مجهول بمجهول، أو بمعلوم منْ جنس يجري الربا فِي نقده، قَالَ: وأما منْ قَالَ: أضمن لك صبرتك هذه، بعشرين صاعا مثلا، فما زاد فلي، وما نقص فعليّ، فهو منْ القمار، وليس منْ المزابنة.
لكن فيه نظر؛ لأن هَذَا التفسير، قد سمّاه فِي هَذَا الْحَدِيث مزابنة، قَالَ الحافظ: فثبت أن منْ صور المزابنة أيضًا، هذه الصورة منْ القمار، ولا يلزم منْ كونها قمارا، أن لا تسمى مزابنة. ومن صور المزابنة أيضًا بيع الزرع بالحنطة كيلا، وَقَدْ رواه مسلم منْ طريق عبيد الله بن عمر، عن نافع، بلفظ: "والمزابنة بيع ثمر النخل بالتمر كيلا، وبيع العنب بالزبيب كيلا، وبيع الزرع بالحنطة كيلا".
وَقَالَ مالك: المزابنة كلُّ شيء منْ الجزاف، لا يُعلم كيله، ولا وزنه، ولا عدده، إذا بيع بشيء مسمى منْ الكيل وغيره، سواء كَانَ منْ جنس يجري الربا فِي نقده، أم لا، وسبب النهي عنه، ما يدخله منْ القمار والغرر، قَالَ ابن عبد البرّ: نظر مالك إلى معنى المزابنة لغة، وهي المدافعة، ويدخل فيها القمار، والمخاطرة.
وفسر بعضهم المزابنة، بأنها بيع الثمر قبل بدو صلاحه، وهو خطأ، فالمغايرة بينهما

الصفحة 276