كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)

(المسألة السابعة): يشترط فِي بيع العرايا التقابض فِي المجلس، وهذا قول الشافعيّ، قَالَ ابن قُدامة: ولا نعلم فيه مخالفا؛ لأنه بيع تمر بتمر، فاعتبر فيه شروطه، إلا ما استثناه الشرع مما لا يمكن اعتباره فِي بيع العرايا، والقبض فِي كل واحد منهما عَلَى حسبه، ففي التمر اكتياله أو نقله، وفي الثمرة التخليةُ، وليس منْ شروطه حضور التمر عند النخيل، بل لو تبايعا بعد معرفة التمر والثمرة، ثم مضيا جميعًا إلى النخلة، فسلمها إلى مشتريها، ثم مشيا إلى التمر فتسلمه منْ مشتريها، أو تسلم التمر، ثم مضيا إلى النخلة جميعًا، فسلمها إلى مشتريها، أو سلم النخلة، ثم مضيا إلى التمر، فتسلمه جاز؛ لأن التفرق لا يحصل قبل القبض.
إذا ثبت هَذَا، فإن بيع العرية يقع عَلَى وجهين: [أحدهما]: أن يقول بعتك ثمرة هذه النخلة بكذا وكذا، منْ التمر ويصفه.
[والثاني]: أن يكيل منْ التمر بقدر خرصها، ثم يقول: بعتك هَذَا بهذا، أو يقول بعتك ثمرة هذه النخلة بهذا التمر، ونحو هَذَا، وإن باعه بمعين، فقَبضُهُ بنقله وأخذه، وإن باع بموصوف فقبضه باكتياله. انتهى "المغني". والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثامنة): أنه لا يجوز بيعها إلا لمحتاج إلى أكلها رطبا، ولا يجوز بيعها لغني، وهذا أحد قولي الشافعيّ، وأباحها فِي القول الآخر مطلقا لكل أحد؛ لأن كل بيع جاز للمحتاج، جاز للغني كسائر البياعات، ولأن حديث أبي هريرة، وسهل مطلقان.
ولنا حديث زيد بن ثابت، حين سأله محمود بن لبيد: ما عراياكم هذه؟ فسمى رجالا محتاجين منْ الأنصار، شكوا إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن الرُّطَب يأتي، ولا نقد بأيديهم يبتاعون به رطبا يأكلونه، وعندهم فضول منْ التمر، فرخص لهم أن يبتاعوا العرايا بخرصها منْ التمر، يأكلونه رطبا (¬1)، ومتى خولف الأصل بشرط، لم تجر مخالفته، بدون ذلك الشرط؛ ولأن ما أبيح للحاجة لم يبح مع عدمها، كالزكاة للمساكين، والترخصِ فِي السفر فعلى هَذَا، متى كَانَ صاحبها غير محتاج إلى أكل الرطب، أو كَانَ محتاجا، ومعه منْ الثمن مما يشتري به العرية، لم يجز له شراؤها بالتمر، وسواء باعها لواهبها، تحرزا منْ دخول صاحب العرية حائطه، كمذهب مالك، أو لغيره، فأنه لا يجوز. وَقَالَ ابن عقيل: يباح، ويحتمله كلام أحمد؛ لأن الحاجة وجدت منْ الجانبين، فجاز كما لو كَانَ المشتري محتاجا إلى أكلها، ولنا حديث زيد الذي ذكرناه، والرخصة
¬__________
(¬1) تقدّم أن هَذَا الْحَدِيث لم يوجد له سند، وإنما ذكره الشافعيّ فِي "الأم".

الصفحة 290