كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)

وَقَالَ القرطبيّ؛ الخِرص بكسر الخاء: هو اسم للمخروص، وبفتح الخاء هو: المصدر، والرواية هنا بالكسر. انتهى "المفهم" 4/ 394.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: وَقَدْ تقدّم إنكار ابن العربيّ الفتح، وجزمه بالكسر، لكن جوّز النوويّ الوجهين، وَقَالَ: الفتح أشهر، والظاهر أن الأشهر هنا بالكسر، عكس ما قاله النوويّ؛ لأنه المشهور فِي اللغة، والرواية، كما أشار إليه القرطبيّ آنفاً.
والحاصل أن المكسور اسم للمخروص، والمفتوح مصدر بمعنى التخمين، لكن لو أريد به المفعول، كالخلق بمعنى المخلوق لكان وجيهًا.
هَذَا كله إن جُعلت الباء فِي "بخرصها" للمقابلة، هو المتبادر الشائع، والمعنى: أنها تباع بقدر المخروص، وأما إذا كانت للسببيّة، فالخرص يكون مصدرًا بمعنى التخمين. أفاده السنديّ. والله تعالى أعلم.
ومعنى الْحَدِيث أنه -صلى الله عليه وسلم- رخّص فِي العرايا أن يباع ثمرها بعد أن يُخرَص، ويُعرَف قدره بقدر ذلك منْ التمر، كما سيأتي البحث فيه.
قَالَ ابن المنذر رحمه الله تعالى: ادّعى الكوفيون أن بيع العرايا منسوخ بنهيه -صلى الله عليه وسلم-، عن بيع الثمر بالتمر، وهذا مردود؛ لأن الذي روى النهي عن بيع الثمر بالتمر، هو الذي روى الرخصة فِي العرايا، فأثبت النهي والرخصة معا.
ورواية سالم الماضية قبل بابين، تدل عَلَى أن الرخصة فِي بيع العرايا، وقع بعد النهي عن بيع الثمر بالتمر، ولفظه عن ابن عمر، مرفوعًا: "أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- نهى عن بيع الثمر بالتمر"، قَالَ: وَقَالَ ابن عمر: حدّثني زيد بن ثابت، "أنه -صلى الله عليه وسلم- رخّص فِي العرايا"، ولفظ البخاريّ "أنه -صلى الله عليه وسلم- رخص بعد ذلك فِي بيع العرية"، وهذا هو الذي يقتضيه لفظ الرخصة، فإنها تكون بعد منع، وكذلك بقية الأحاديث، التي وقع فيها استثناء العرايا، بعد ذكر بيع الثمر بالتمر، وَقَدْ تقدم إيضاح ذلك كله، مطولًا فِي الباب الماضي، فلا تنس. والله تعالى أعلم.
(فِي خَمْسَةِ أَوْسُقٍ) متعلّق بـ"رخّص"، و"الأوسق": جمع وَسْق، بفتح، فسكون، ويُجمع عَلَى وُسُوق أيضًا، كفلس وأفلس، وفُلُوس، ويقال: الوسق بكسر الواو أيضًا، والجمع أوْساقٌ، كحِمْل وأَحمال. قَالَ ابن منظور: الوَسْق، والوِسْق -أي بالفتح، والكسر-: مِكْيلة معلومة، وقيل: هو حِمْل بعير، وهو ستّون صاعًا بصاع النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وهو خمسة أرطال وثلث، فالوسق عَلَى هَذَا الحساب: مائة وستّون مَناً، قَالَ الزجّاج: خمسة أوسق: هي خمسة وعشرون قَفِيزًا، قَالَ: وهو قَفيزنا الذي يُسمّى الْمُعدّل، وكلُّ وسق بالْمُلَجّم ثلاثة أقفزة، قَالَ: وستّون صاعًا أربعة وعشرون مَكُّوكًا بالْمُلَجّم، وذلك

الصفحة 296