كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)

مستغنية عن الاستكشاف، بل التنبيه عَلَى أن المطلوب تحقّق المماثلة حال اليبوسة، فلا يكفي تماثل الرطب والتمر عَلَى رطوبته، ولا عَلَى فرض اليبوسة؛ لأنه تخمين وخرص، لا تعيين فيه، فلا يجوز بيع أحدهما بالآخر، وبه قَالَ أكثر أهل العلم، وجوّزه أبو حنيفة، إذا تساويا كيلًا؛ حملًا للحديث عَلَى النسيئة؛ لما روى هَذَا الراوي أنه -صلى الله عليه وسلم-: نهى عن بيع الرطب بالتمر نسيئة، وضعفُهُ بيّنٌ؛ لأن النهي عن بيعه نسيئةً لا يستدعي الإذن فِي بيعه يدًا بيد، إلا منْ طريق المفهوم، وهو عنده غير منظور إليه، فضلًا عن أن يسلّط عَلَى المنطوق؛ ليُبطل إطلاقه، ثم هَذَا التقييد يُفسد السؤال والجواب، وترتيب النهي عليهما بالكلّيّة؛ إذ كونه نسيئة يكفي فِي عدم الجواز، ولا دخل معه للجفاف.
قَالَ السنديّ: المشهور عند الحنفيّة فِي الجواب جهالة زيد بن عيّاش، وردّه الجمهور بأن عدم معرفة بعضٍ لا يضرّ فِي معرفة غيره، فالأقرب قول الجمهور، ولذلك خالف الإِمام صاحباه، فذهبا إلى قول الجمهور. والله تعالى أعلم. انتهى "شرح السنديّ" 7/ 269.
(قَالُوا: نَعَمْ) أي ينقص الرطب إذا يبس (فَنَهَى عَنْهُ) أي عن شراء التمر بالرطب. وفي الْحَدِيث قصّة فِي أوله، ساقها أبو داود، فأخرج بسنده، عن عبد الله بن يزيد، أن زيدًا، أبا عيّاش أخبره، أنه سأل سعد بن أبي وقّاص -رضي الله عنه- عن البيضاء بالسُّلت؟ فَقَالَ له سعد: أيهما أفضل؟، قَالَ: البيضاء، قَالَ: فنهاه عن ذلك، وَقَالَ: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يسأل عن شراء التمر بالرُّطَب؟ فَقَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أينقص إذا يبس؟، قالوا: نعم، فنهاه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن ذلك.
قَالَ الخطّابيّ: البيضاء نوع منْ البرّ، أبيض اللون، وفيه رخاوة، يكون ببلاد مصر، والسُّلْتُ: نوع غير البرّ، وهو أدقّ حبا منه. وَقَالَ بعضهم: البيضاء هو الرَّطْب منْ السلت، والأول أعرف، إلا أن هَذَا القول أليق بمعنى الْحَدِيث، وعليه يتبيّن موضع التشبيه منْ الرُّطَب بالتمر، وإذا كَانَ الرَّطْب منها جنسًا، واليابس جنسًا آخر لم يصحّ التشبيه. انتهى. "معالم السنن" 5/ 32. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
مسائل تتعلّق بهذا الْحَدِيث:
(المسألة الأولى): فِي درجته:
حديث سعد بن أبي وقّاص -رضي الله عنه- هَذَا صحيح.
[تنبيه]: قَالَ الخطّابيّ رحمه الله تعالى: وَقَدْ تكلّم بعض النَّاس فِي إسناد حديث سعد بن أبي وقّاص -رضي الله عنه- هَذَا، وَقَالَ: زيد أبو عيّاش راويه ضعيفٌ، ومثل هَذَا

الصفحة 306