كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)
بيابس منْ جنسه، إلا العرايا، وذلك: كالرُّطَب بالتمر، والعنب بالزبيب، واللبن بالجبن، والحنطة المبلولة، أو الرطبة باليابسة، أو المقلية بالنيئة، ونحو ذلك، وبهذا قَالَ سعد بن أبي وقاص، وسعيد بن المسيّب، والليث، ومالك، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو يوسف، ومحمد. وَقَالَ ابن عبد البرّ: جمهور علماء المسلمين، عَلَى أن بيع الرُّطَب بالتمر لا يجوز، بحال منْ الأحوال.
وَقَالَ أبو حنيفة: يجوز ذلك؛ لأنه لا يخلو: إما أن يكون منْ جنسه، فيجوز؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "التمر بالتمر، مثلا بمثل"، أو منْ غير جنسه، فيجوز لقوله -صلى الله عليه وسلم-": "فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم؟ "، ولنا قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تبيعوا الثمر بالتمر"، وفي لفظ: "نهى عن بيع الثمر بالتمر، ورَخّص فِي العرية، أن تباع بخِرْصها، يأكلها أهلها رُطَبًا"، متَّفقٌ عليه، وعن سعد -رضي الله عنه-: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، سئل عن بيع الرُّطَب بالتمر؟ فَقَالَ: "أينقص الرطب إذا يبس؟، قالوا: نعم، فنهى عن ذلك"، رواه مالك، وأبو داود، والترمذيّ، والنسائيّ، وابن ماجه، والأثرم، ولفظ رواية الأثرم، قَالَ: "فلا إذن"، نَهَى، وعَلَّل بأنه ينقص إذا يبس. وروى مالك، عن نافع، عن ابن عمر: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، نهى عن المزابنة، والمزابنة بيع الرطب بالتمر كيلا، وبيع العنب بالزبيب كيلا"، ولأنه جنس فيه الربا، بِيعَ بعضه ببعض، عَلَى وجه ينفرد أحدهما بالنقصان، فلم يَجُز، كبيع المقلية بالنيئة، ولا يلزم الحديثُ بالْعَتِيق؛ لأن التفاوت يسير. انتهى "المغني" 6/ 67 - 68.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: قد تبين بما ذُكر أن ما عليه الجمهور منْ عدم جواز بيع الرطب بالتمر هو الحق؛ لصحة الأحاديث بذلك. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): فِي اختلاف أهل العلم فِي حكم بيع الرُّطَب بالرُّطَب، ونحوه:
ذهب أكثر أهل العلم إلى جواز بيع الرطب بالرطب، والعنب بالعنب، ونحوه منْ الرَّطْب بمثله. وذهب الشافعيّ إلى منعه فيما ييبس، أما ما لا ييبس، كالقثاء، والخيار ونحوه، فعلى قولين؛ لأنه لا يُعلم تساويهما حالة الإدّخار، فأشبه الرطب بالتمر.
واحتجّ بنهيه -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الثمر بالتمر؛ فإن مفهومه إباحة بيع كل واحد منهما بمثله؛ ولأنهما تساويا فِي الحال، عَلَى وجه لا ينفرد أحدهما بالنقصان، فجاز كبيع اللبن باللبن، والتمر بالتمر، ولأن قوله تعالى: {وأحَلَّ اللهُ البَيْعَ} الآية [البقرة: 275] عام خرج منه المنصوص عليه، وهو بيع الثمر بالتمر، وليس هَذَا فِي معناه، فبقي عَلَى العموم، وما ذكره الشافعيّ لا يصح، فإن التفاوت كثير، وينفرد أحدهما بالنقصان،
الصفحة 309
389