كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)

قَالَ ابن بطال رحمه الله تعالى: أجمع العلماء عَلَى أنه لا يجوز بيع الزرع، قبل أن يُقَطع بالطعام؛ لأنه بيع مجهول بمعلوم، وأما بيع رَطْبِ ذلك بيابسه، بعد القطع، وإمكان المماثلة، فالجمهور لا يجيزون بيع شيء منْ ذلك بجنسه، لا متفاضلا، ولا متماثلا. انتهى.
وَقَدْ تقدم البحث فِي ذلك مستوفًى قبل بابين.
وَقَالَ فِي "الفتح" 5/ 151: واحتج الطحاوي لأبي حنيفة، فِي جواز بيع الزرع الرَّطْبِ بالحب اليابس، بأنهم أجمعوا عَلَى جواز بيع الرطب بالرطب، مِثْلا بمثل، مع أن رطوبة أحدهما ليست كرطوبة الآخر، بل تختلف اختلافا متباينا.
وتعقب بأنه قياس فِي مقابلة النص، فهو فاسد، وبأن الرطب بالرطب، وإن تفاوت، لكنه نقصان يسير، فعُفِي عنه؛ لقلته، بخلاف الرطب بالتمر، فإن تفاوته تفاوت كثير. انتهى، وهو تحقيق نفيسٌ جدًّا. والله تعالى أعلم.
والحديث متّفقٌ عليه، وَقَدْ تقدّم فِي 32/ 433 والباب الذي بعده، وسبق تمام البحث فيه، فراجعه تستفد. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
4552 - (حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا مَخْلَدُ بْنُ يَزِيدَ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ: "أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، نَهَى عَنِ الْمُخَابَرَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ، وَالْمُحَاقَلَةِ، وَعَنْ بَيْعِ الثَّمَرِ قَبْلَ أَنْ يُطْعَمَ، وَعَنْ بَيْعِ ذَلِكَ، إِلاَّ بِالدَّنَانِيرِ وَالدَّرَاهِمِ").
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: رجال هَذَا الإسناد كلهم رجال الصحيح، غير شيخه، فإنه منْ أفراده، وهو حرّانيّ ثقة [11] 22/ 932. و"مخلد بن يزيد": هو القرشيّ الحرّانيّ، صدوقٌ له أوهام، منْ كبار [9] 141/ 222. و"عطاء": هو ابن أبي رباح.
وقوله: "المخابرة": هي كراء الأرض ببعض ما يخرج، وقيل: غير ذلك.
و"المزابنة": هي بيع الرطب عَلَى رؤوس النخل بالتمر. و"المحاقلة": هي بيع الحنطة فِي سنبلها بحنطة صافيه.
وقوله: "قبل أن يُطعِم" بالبناء للفاعل: أي يَصلُحَ للأكل، يقال: أَطعمتِ الشجرةُ بالألف: إذا أدرك ثمرها. قاله الفيّوميّ. وَقَدْ تقدّم البحث عن هذه الأشياء كلّها مستوفًى.
والحديث متَّفقٌ عليه، وَقَدْ تقدّم فِي 28/ 4525 و4526 - ومحلّ الشاهد للترجمة قوله: "وعن بيع ذلك إلا بالدنانير والدراهم"، فإنه يدلّ عَلَى أنه لا يجوز بيعها بطعام منْ جنسها. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.

الصفحة 314