كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)

يجوز؛ استحسانا؛ لأنهما كالشيء الواحد فِي معنى الثمنية، ولأن ذلك يُتَّخَذُ وسيلةً إلى الربا، فأشبه ما لو باعها بجنس الثمن الأول، وهذا أصح، إن شاء الله تعالى.
قَالَ: وهذه المسألة تسمى مسألة العينة، قَالَ الشاعر [منْ الطويل]:
أنَدَّانُ أَمْ نعْتَانُ أَمْ يَنْبَرِي لَنَا ... فَتًى مِثْلُ نَصْلِ الْسَّيْفِ مِيزَتْ مَضَارِبُهْ
فقوله: "نَعْتَان": أي نشتري عِينة مثل ما وصفنا، وَقَدْ روى أبو داود بإسناده، عن ابن عمر: قَالَ: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا تبايعتم بالعِينة، وأخذتم أذناب البقر، ورضيتم بالزرع، وتركتم الجهاد، سَلَّطَ اللهُ عليكم ذُلًّا لا ينزعه حَتَّى ترجعوا إلى دينكم"، وهذا وعيد يدل عَلَى التحريم. وَقَدْ رُوي عن أحمد، أنه قَالَ: العينة أن يكون عند الرجل المتاع، فلا يبيعه إلا بنسيئة، فإن باعه بنقد، ونسيئة فلا بأس، وَقَالَ: أكره للرجل أن لا يكون له تجارة، غير العينة، لا يبيع بنقد، وَقَالَ ابن عقيل: إنما كره النسيئة لمضارعتها الربا، فإن الغالب أن البائع بنسيئة، يقصد الزيادة بالأجل. ويجوز أن تكون العِينة اسما لهذه المسألة، وللبيع بنسيئة جميعًا، لكن البيع بنسيئة، ليس بمحرم اتفاقا، ولا يكره، إلا أن لا يكون له تجارة غيره. انتهى "المغني" 6/ 260 - 262.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الأرجح عندي تحريم بيع العِينة؛ لحديث أبي داود المذكور، فإنه حديث صحيح، صححه جماعة منْ المحققين، بمجموع طرقه انظر ما كتبه الشيخ الألبانيّ رحمه الله تعالى فِي "السلسلة الصحيحة" 1/ 15 - 17 رقم 11 - وفيه الوعيد الشديد لمن يتعاطى هَذَا الأمر، ولا يكون الوعيد إلا عَلَى شيء محرّم شرعًا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة)؛ إن باع سلعة بنقد، ثم اشتراها بأكثر منه نسيئة، فَقَالَ أحمد فِي رواية حرب: لا يجوز ذلك، إلا أن يغير السلعة؛ لأن ذلك يتخذه وسيلة إلى الربا، فأشبه مسألة العينة، فإن اشتراها بنقد آخر، أو بسلعة أخرى، أو بأقل منْ ثمنها نسيئة جاز؛ لما ذكرناه فِي مسألة العينة، ويحتمل أن يجوز له شراؤها بجنس الثمن بأكثر منه، إلا أن يكون ذلك عن مواطأة، أو حيلة فلا يجوز، وإن وقع ذلك اتفاقا منْ غير قصد جاز؛ لأن الأصل حل البيع، وإنما حرم فِي مسألة العينة بالأثر الوارد فيه، وليس هَذَا فِي معناه، ولأن التوسل بذلك أكثر، فلا يلتحق به ما دونه. انتهى "المغني" 6/ 263. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): منْ باع طعاما إلى أجل، فلما حل الأجل، أخذ منه بالثمن الذي فِي ذمته طعاما قبل قبضه لم يجز، رُوي ذلك عن ابن عمر، وسعيد بن المسيب، وطاوس، وبه قَالَ مالك، وأحمد، وإسحاق. وأجازه جابر بن زيد، وسعيد بن جبير،

الصفحة 324