كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)

قَالُوا: ابْتَعْنَاهُ صَاعًا بِصَاعَيْنِ مِنْ تَمْرِنَا، فَقَالَ: "لاَ تَفْعَلْ، فَإِنَّ هَذَا، لاَ يَصِحُّ، وَلَكِنْ بِعْ تَمْرَكَ، وَاشْتَرِ مِنْ هَذَا حَاجَتَكَ").
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: رجال هَذَا الإسناد كلهم رجال الصحيح، غير شيخه إسماعيل فإنه منْ أفراده، وهو بصريّ ثقة. و"خالد": هو ابن الحارث الْهُجيميّ. و"سعيد": هو ابن أبي عروبة.
والسند مسلسل بثقات البصريين، إلى سعيد، فإنه، وأبو سعيد -رضي الله عنه- مدنيّان، وفيه سعيد أحد الفقهاء السبعة، وفيه شيخه نصر أحد المشايخ التسعة الذين روى عنهم أصحاب الأصول دون واسطة، كما سبق قريبًا، وفيه أبو سعيد الخدريّ -رضي الله عنه- أحد المكثرين السبعة (1170) حديثًا. والله تعالى أعلم.
شرح الْحَدِيث
(عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيُ) -رضي الله عنه- (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، أُتِيَ بِتَمْرِ رَيَّانَ) ببناء الفعل للمفعول، و"رَيّان" بفتح الراء، وتشديد التحتانيّة: هو التمر الذي سُقي نخله ماءً كثيرًا. ذكره السنديّ 7/ 272 (وَكَانَ تَمْرُ رَسُولِ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- بَعْلاً) بفتح الموحّدة، وسكون العين المهملة: هو ما شرب منْ النخيل بعروقه منْ الأرض، منْ غير سقي سماء، ولا غيرها، قَالَ الأزهريّ: هو ما ينبت منْ النخل فِي أرض يقرب ماؤها، فرسخت عُروقها فِي الماء، واستغنت عن ماء السماء، والأنهار، وغيرها. قاله فِي "النهاية" 1/ 141 (فِيهِ يُبْسٌ) بضم، فسكون: خلاف الرطوبة، قَالَ الفيّوميّ: يَبِس يَيْبَسُ، منْ باب تَعِب، وفي لغة بكسرتين: إذا جفّ بعد رُطوبة، فهو يابسٌ، وشيءٌ يَبْسٌ ساكنُ الباء: بمعنى يابسٍ أيضًا، وحطبٌ يَبْسٌ، كأنه خِلْقةٌ، ويقال: هو جمع يابس، مثلُ صاحب وصَحْب، ومكان يَبَسٌ بفتحتين: إذا كَانَ فيه ماءٌ، فذهب، وَقَالَ الأزهريّ: طريقٌ يَبَسٌ: لا نُدُوّة فيه، ولا بَلَلَ، واليُبْسُ: نقيض الرُّطوبة، واليَبِيسُ منْ النبات: ما يَبِسَ، فَعيلٌ بمعنى فاعل. وَقَالَ الفارابيّ: مكانٌ يَبَسٌ، ويَبْسٌ، وكذلك غيرُ المكان. انتهى.
(فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (أَنَّى لَكُمْ هَذَا؟) بفتح الهمزة، وتشديد النون، مقصورًا: منْ أدوات الاستفهام، قَالَ الفيّوميّ: هي استفهام عن الجهة: تقول: أنى يكون هَذَا: أي منْ أيّ وجه، وطريق. اهـ. والمعنى هنا: أي منْ أيِّ، جهة حصل لكم هَذَا التمر الجيّد؟ (قَالُوا: ابْتَعْنَاهُ) أي اشترنا هَذَا الرّيّان (صَاعًا بِصَاعَيْنِ) منصوب عَلَى الحال، وإن كَانَ جامدًا؛ لتأويله بالمشتقّ، أي مُسَعَرّا، كلّ صاع منه بصاعين منْ تمرنا، وإلى هَذَا أشار ابن مالك رحمه الله تعالى فِي "خلاصته"، حيث قَالَ:
وَيَكْثُرُ الْجُمُودُ فِي سِعْرٍ وَفِي ... مُبْدِ تَأَوُّلِ بِلاَ تَكَلُّفِ

الصفحة 326