كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)

قَالَ: وقياس كتابته بالياء؛ للكسرة فِي أوله، وَقَدْ كتبوه فِي القرآن بالواو. وَقَالَ أيضًا: اختلف النحاة فِي لفظ "الربا"، فَقَالَ البصريون: هو منْ ذوات الواو؛ لأنك تقول فِي تثنيته: ربوان، قاله سيبويه، وَقَالَ الكوفيون: يكتب بالياء، وتثنيته بالياء؛ لأجل الكسرة التي فِي أوله، قَالَ الزجاج: ما رأيت خطأ أقبح منْ هَذَا، ولا أشنع، لا يكفيهم الخطأ فِي الخط، حَتَّى يخطئوا فِي التثنية، وهم يقرءون: {وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ} [الروم: 39]، قَالَ محمد بن يزيد: كتب الربا فِي المصحف بالواو؛ فرقا بينه وبين الزنا، وكان الربا أولى منه بالواو؛ لأنه منْ ربا يربو.
قَالَ: ثم إن الشرع قد تصرف فِي هَذَا الإطلاق، فقصره عَلَى بعض موارده، فمرة أطلقه عَلَى كسب الحرام، كما قَالَ الله تعالى فِي اليهود: {وَأَخْذِهِمُ الرِّبَا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ} الآية [النِّساء: 161]، ولم يرد به الربا الشرعي، الذي حكم بتحريمه علينا، وإنما أراد المال الحرام، كما قَالَ تعالى: {سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ} [المائدة: 42] يعني به المال الحرام، منْ الرشا، وما استحلوه منْ أموال الأميين، حيث قالوا: {لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ} [آل عمران: 75]، وعلى هَذَا فيدخل فيه النهي عن كل مال حرام، بأيّ وجه اكتُسب.
والربا الذي عليه عرف الشرع شيئان: تحريم النِّساء، والتفاضل فِي العقود، وفي المطعومات عَلَى ما نبينه، وغالبه ما كانت العرب تفعله، ومن قولها للغريم: أتقضي، أم تربي؟، فكان الغريم يزيد فِي عدد المال، ويصبر الطالب عليه، وهذا كله محرم باتفاق الأمة.
قَالَ: أكثر البيوع الممنوعة، إنما تجد منعها لمعنى زيادة، إما فِي عين مال، وإما فِي منفعة لأحدهما، منْ تأخير، ونحوه، ومن البيوع ما ليس فيه معنى الزيادة، كبيع الثمرة قبل بُدُوّ صلاحها، وكالبيع ساعة النداء يوم الجمعة، فإن قيل لفاعلها: آكل الربا، فتجوُّز وتشبيه. انتهى "الجامع لأحكام القرآن" 3/ 348.
وَقَالَ الموفّق ابن قُدامة رحمه الله تعالى: الربا فِي اللغة هو: الزيادة، قَالَ الله تعالى: {فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ} الآية [الحج: 5]، وَقَالَ: {أَنْ تَكُونَ أُمَّةٌ هِيَ أَرْبَى مِنْ أُمَّةٍ} [النحل: 92]: أي أكثر عددا، يقال: أربى فلان عَلَى فلان: إذا زاد عليه. وهو فِي الشرع: الزيادة فِي أشياء مخصوصة. وهو محرم بالكتاب، والسنة، والإجماع: أما الكتاب، فقول الله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275]، وما بعدها منْ الآيات. وأما السنة: فما أخرجه الشيخان عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أنه قَالَ: "اجتنبوا السبع الموبقات"، قيل: يا رسول الله، ما هي؟، قَالَ: "الشرك بالله، والسحر، وقتل النفس التي حرم الله، إلا بالحق، وأكل الربا، وأكل مال اليتيم، والتولي يوم الزحف، وقذف

الصفحة 334