كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)

المحصنات المؤمنات الغافلات" (¬1)، وأخرجا أيضًا عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "أنه لعن آكله الربا، وموكله، وشاهديه، وكاتبه". فِي أخبار سوى هذين كثيرة، وأجمعت الأمة عَلَى أن الربا محرم. أفاده فِي "المغني" 6/ 51 - 52. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: الربا عَلَى ضربين: ربا الفضل، وربا النسيئة، وأجمع أهل العلم عَلَى تحريمهما، وَقَدْ كَانَ فِي ربا الفضل اختلاف بين الصحابة، فحُكي عن ابن عباس، وأسامة بن زيد، وزيد بن أرقم، وابن الزبير -رضي الله عنهم-، أنهم قالوا: إنما الربا فِي النسيئة؛ لقوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا ربا إلا فِي النسيئة"، رواه البخاريّ، والمشهور منْ ذلك قول ابن عباس، ثم إنه رجع إلى قول الجماعة، روى ذلك الأثرم بإسناده، وقاله الترمذيّ، وابن المنذر، وغيرهم، وَقَالَ سعيد، بإسناده عن أبي صالح، قَالَ: صحبت ابن عباس حَتَّى مات، فوالله ما رجع عن الصرف. وعن سعيد بن جبير قَالَ: سألت ابن عباس قبل موته بعشرين ليلة عن الصرف؟ فلم ير به بأسا، وكان يأمر به، والصحيح قول الجمهور؛ لحديث أبي سعيد الخدريّ: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "لا تبيعوا الذهب بالذهب إلا مثلا بمثل، ولا تُشِفُّوا بعضها عَلَى بعض، ولا تبيعوا الورق بالورق إلا مثلا بمثل، ولا تشفوا بعضها عَلَى بعض، ولا تبيعوا غائبا بناجز"، ولحديث أبي سعيد -رضي الله عنه- أيضا فِي قصّة بلال -رضي الله عنه- المذكور فِي الباب، متَّفقٌ عليهما. قَالَ الترمذيّ رحمه الله تعالى: عَلَى حديث أبي سعيد -رضي الله عنه- العملُ عند أهل العلم، منْ أصحاب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- وغيرهم، وقولُ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "لا ربا إلا فِي النسيئة" محمول عَلَى الجنسين. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السادسة): قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى أيضًا: وَقَدْ رُوي عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- فِي الربا أحاديث كثيرة، ومن أتمها ما رَوَى عبادة بن الصامت -رضي الله عنه- عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أنه قَالَ: "الذهب بالذهب مثلا بمثل، والفضة بالفضة مثلا بمثل، والتمر بالتمر مثلا بمثل، والبر بالبر مثلا بمثل، والملح بالملح مثلا بمثل، والشعير بالشعير مثلا بمثل، فمن زاد، أو ازداد فقد أربى، بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد، وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يدا بيد، وبيعوا الشعير بالتمر، كيف شئتم يدا بيد"، رواه مسلم، وسيأتي للنسائيّ بعد باب.
فهذه الأعيان المنصوص عليها، يثبت الربا فيها بالنصّ، والإجماع، واختلف أهل
¬__________
(¬1) وتقدّم هَذَا الْحَدِيث للمصنّف فِي "كتاب الوصايا" رقم 3698.

الصفحة 335