كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)

العلم فيما سواها، فحُكي عن طاوس وقتادة: أنهما قصرا الربا عليها، وقالا: لا يجري فِي غيرها، وبه قَالَ داود، ونفاة القياس، وقالوا: ما عداها عَلَى أصل الإباحة؛ لقول الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} الآية [البقرة: 275]، واتفق القائلون بالقياس، عَلَى أن ثبوت الربا فيها بعلة، وأنه يثبت فِي كل ما وُجدت فيه علتها؛ لأن القياس دليل شرعي، فيجب استخراج علة هَذَا الحكم، وإثباته فِي كل موضع وُجدت علته فيه، وقول الله تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] يقتضي تحريم كل زيادة، إذ الربا فِي اللغة الزيادة، إلا ما أجمعنا عَلَى تخصيصه، وهذا يعارض ما ذكروه، ثم اتفق أهل العلم عَلَى أن ربا الفضل، لا يجري إلا فِي الجنس الواحد، إلا سعيد بن جبير، فإنه قَالَ: كل شيئين يتقارب الانتفاع بهما، لا يجوز بيع أحدهما بالآخر متفاضلا، كالحنطة بالشعير، والتمر بالزبيب، والذُّرة بالدُّخْن؛ لأنهما يتقارب نفعهما، فجريا مجرى نوعي جنس واحد، وهذا يخالف قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "بيعوا الذهب بالفضة، كيف شئتم يدا بيد، وبيعوا البر بالتمر، كيف شئتم"، فلا يعول عليه، ثم يَبْطُل بالذهب بالفضة، فإنه يجوز التفاضل فيهما، مع تقاربهما، واتفق المعلِّلُون عَلَى أن علة الذهب والفضة واحدة، وعلة الأعيان الأربعة واحدة، ثم اختلفوا فِي علة كل واحد منهما:
فروي عن أحمد فِي ذلك ثلاث روايات: أشهرهنّ: أن علة الربا فِي الذهب والفضة كونه موزونَ جنسٍ، وعلةُ الأعيان الأربعة مكيلَ جنسٍ، نقلها عن أحمد الجماعة، وذكرها الخرقي، وابن موسى، وأكثر الأصحاب، وهو قول النخعي، والزهري، والثوري، وإسحاق، وأصحاب الرأي، فعلى هذه الرواية يجري الربا فِي كل مكيل، أو موزون بجنسه، مطعوما كَانَ، أو غير مطعوم، كالحبوب، والأشنان، والنُّورة، والقطن، والصوف، والكتّان، والوَرْس، والحنّاء، والعصفر، والحديد، والنحاس، ونحو ذلك، ولا يجري فِي مطعوم، لا يكال ولا يوزن؛ لما رَوَى ابنُ عمر رضي الله عنهما قَالَ: قَالَ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تبيعوا الدينار بالدينارين، ولا الدرهم بالدرهمين، ولا الصاع بالصاعين، فإني أخاف عليكم الرَّمَاء"، وهو الربا، فقام إليه رجل، فَقَالَ: يا رسول الله، أرأيت الرجل يبيع الفرس بالأفراس، والنجيبة بالإبل، فَقَالَ: "لا بأس إذا كَانَ يدا بيد"، رواه الإمام أحمد فِي "المسند"، عن أبي جناب، عن أبيه، عن ابن عمر (¬1).
¬__________
(¬1) حديث ضعيف؛ لأن فِي سنده أبو جناب الكلبيّ يحيى بن أبي حيّة، ضعفوه؛ لكثرة تدليسه، وأبو أبو حيّة الكلبيّ مجهول.

الصفحة 336