كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)
وعن أنس -رضي الله عنه- أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "ما وُزن مثلا بمثل، إذا كَانَ نوعا واحدا، وما كيل مثلا بمثل، إذا كَانَ نوعا واحدا"، رواه الدارقطنيّ (¬1)، رواه عن ابن صاعد، عن عبد الله بن أحمد بن حنبل، عن أحمد بن محمد بن أيوب، عن أبي بكر بن عياش، عن الربيع بن صَبِيح، عن الحسن، عن عبادة، وأنس، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وَقَالَ: لم يروه غير أبي بكر عن الربيع هكذا، وخالفه جماعة، فرووه عن الربيع، عن ابن سيرين، عن عبادة، وأنس، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، بلفظ غير هَذَا اللفظ.
وعن عمار: أنه قَالَ: "العبد خير منْ العبدين، والثوب خير منْ الثوبين، فما كَانَ يدا بيد، فلا بأس به، إنما الربا فِي النسَاء، إلا ما كيل أو وزن"، ولأن قضية البيع المساواة، والمؤثر فِي تحقيقها الكيل والوزن والجنس، فإن الوزن أو الكيل، يُسَوّي بينهما صورة، والجنس يسوى بينهما معنى، فكانا علة، ووجدنا الزيادة فِي الكيل محرّمة، دون الزيادة فِي الطعم، بدليل بيع الثقيلة بالخفيفة، فإنه جائز إذا تساويا فِي الكيل.
[الرواية الثانية عن أحمد]: أن العلة فِي الأثمان الثمنية، وفيما عداها كونه مطعوم جنس، فيختص بالمطعومات، ويخرج منه ما عداها، قَالَ أبو بكر: رَوَى ذلك عن أحمد جماعةٌ، ونحوَ هَذَا قَالَ الشافعيّ، فإنه قَالَ: العلة الطعم، والجنس شرط، والعلة فِي الذهب والفضة جوهرية الثمنيِة غالبا، فيختص بالذهب والفضة؛ لما رَوَى معمر بن عبد الله -رضي الله عنه-: "أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، نَهَى عن بيع الطعام بالطعام إلا مثلا بمثل"، رواه مسلم، ولأن الطعم وصفُ شَرَفٍ؛ إذ به قوام الأبدان، والثمنية وصف شرف، إذ بها قوام الأموال، فيقتضي التعليل بهما، ولأنه لو كانت العلة فِي الأثمان الوزن، لم يجز إسلامهما فِي الموزونات؛ لأن أحد وصفي علة ربا الفضل يكفي فِي تحريم النِّساء.
[والرواية الثالثة عنه]: العلة فيما عدا الذهب والفضة، كونه مطعومَ جنسٍ، مكيلا، أو موزونا، فلا يجري الربا فِي مطعوم، لا يكال ولا يوزن، كالتفاح، والرمان، والخوخ، والبطيخ، والكُمَّثْرَى، والأترج، والسفرجل، والإجّاص، والخيار، والجوز، والبيض، ولا فيما ليس بمطعوم، كالزعفران، والأشنان، والحديد، والرصاص، ونحوه، ويروى ذلك عن سعيد بن المسيب، وهو قديم قولي الشافعيّ؛ لما رُوي عن سعيد بن المسيب، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أنه قَالَ: "لا ربا إلا فيما كيل، أو وُزن مما يؤكل أو يشرب"، أخرجه الدارقطنيّ، وَقَالَ: الصحيح أنه منْ قول سعيد، ومن رفعه فقد وهم، ولأن لكل واحد منْ هذه الأوصاف أثرا، والحكم مقرون بجميعها
¬__________
(¬1) فِي إسناده الربيع بن صَبيح صدوقٌ سيء الحفظ، وأبو بكر بن عيّاش لما كبر ساء حفظه.
الصفحة 337
389