كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)

المجلس، هو الأرجح عندي؛ لقوّة مدركه، كما بيّنه رحمه الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة السابعة): قَالَ الموفّق أيضاً: الجيد والرديء، والتبر والمضروب، والصحيح والمكسور، سواء فِي جواز البيع مع التماثل وتحريمه مع التفاضل، وهذا قول أكثر أهل العلم، منهم أبو حنيفة، والشافعي، وحكي عن مالك جواز بيع المضروب بقيمته منْ جنسه، وأنكر أصحابه ذلك ونفوه عنه، وحكى بعض أصحابنا عن أحمد رواية لا يجوز بيع الصحاح بالمكسرة، ولأن للصناعة قيمة، بدليل حالة الإتلاف، فيصير كأنه ضم قيمة الصناعة إلى الذهب. ولنا قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "الذهب بالذهب مثلا بمثل، والفضة بالفضة مثلا بمثل"، وعن عبادة، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أنه قَالَ: "الذهب بالذهب تبرها وعينها، والفضة بالفضة تبرها وعينها"، رواه أبو داود، وروى مسلم عن أبي الأشعث، أن معاوية أمر ببيع آنية منْ فضة، فِي أعطيات النَّاس، فبلغ عبادة، فَقَالَ: "سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والملح بالملح، إلا سواء بسواء، عينا بعين، فمن زاد أو ازداد، فقد أربى". وروى الأثرم عن عطاء بن يسار، أن معاوية، باع سقاية منْ ذهب، أو ورق بأكثر منْ وزنها، فَقَالَ أبو الدرداء: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ينهى عن مثل هَذَا إلا مثلا بمثل، ثم قدم أبو الدرداء عَلَى عمر بن الخطاب رضي الله عنهما، فذكر له ذلك، فكتب عمر إلى معاوية: لا تبع ذلك إلا مثلا بمثل، وزنا بوزن، ولأنهما تساويا فِي الوزن، فلا يؤثر اختلافهما فِي القيمة، كالجيد والرديء، فأما إن قَالَ لصائغ: طبع لي خاتما وزنه درهم، وأعطيك مثل وزنه، وأجرتك درهما، فليس ذلك ببيع درهم بدرهمين، وَقَالَ أصحابنا: للصائغ أخذ الدرهمين: أحدهما فِي مقابلة الخاتم، والثاني أجرة له. انتهى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
(المسألة الثامنة): قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: لا خلاف فِي جواز التفاضل فِي الجنسين، نعلمه إلا عن سعيد بن جبير، أنه قَالَ: ما يتقارب الانتفاع بهما لا يجوز التفاضل فيهما، وهذا يرده قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "بيعوا الذهب بالفضة، كيف شئتم يدا بيد، وبيعوا البر بالتمر كيف شئتم يدا بيد، وبيعوا الشعير بالشعير كيف شئتم يدا بيد"، وفي لفظ "إذا اختلفت هذه الأشياء فبيعوا كيف شئتم، إذا كَانَ يدا بيد" رواه مسلم، وأبو داود، ولأنهما جنسان، فجاز التفاضل فيهما، كما لو تباعدت منافعهما. ولا خلاف فِي إباحة التفاضل فِي الذهب بالفضة، مع تقارب منافعهما.
فأما النَّسَاء، فكل جنسين يجري فيهما الربا بعلة واحدة، كالمكيل بالمكيل،

الصفحة 340