كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)

والموزون بالموزون، والمطعوم بالمطعوم عند منْ يُعلل به، فإنه يحرم بيع أحدهما بالآخر نساء بغير خلاف نعلمه، وذلك قوله عليه السلام: "فإذا اختلفت هذه الأصناف، فبيعوا كيف شئتم؟ يدا بيد"، وفي لفظ: "لا بأس ببيع الذهب بالفضة، والفضةُ أكثرهما يدا بيد، وأما نسيئة فلا, ولا بأس ببيع البر بالشعير، والشعيرُ أكثرهما يدا بيد، وأما النسيئة فلا"، رواه داود، إلا أن يكون أحد العوضين ثمنا، والآخر مثمنا، فإنه يجوز النّساء بينهما بغير خلاف؛ لأن الشرع أرخص فِي السلم، والأصل فِي رأس المال الدراهم والدنانير، فلو حرم النّساء ههنا لا نسد باب السلم فِي الموزونات فِي الغالب.
فأما إن اختلفت علتهما كالمكيل بالموزون، مثل بيع اللحم بالبر ففيهما روايتان:
[إحداهما]: يحرم النسَاء فيهما، وهو الذي ذكره الْخِرَقي هاهنا؛ لأنهما مالان منْ أموال الربا، فحرم النسَاء فيهما، كالمكيل بالمكيل. [والثانية]: يجوز النسَاء فيهما، وهو قول النخعي؛ لأنهما لم يجتمعا فِي أحد وصفي علة ربا الفضل، فجاز النسَاء فيهما، كالثياب بالحيوان. انتهى "المغني" 6/ 61 - 63. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة التاسعة): فِي البحث عن مسائل عصريّة، ابتُلي بها المسلمون فِي هذه الأعصار المتأخّرة، ينبغي أن أتكلّم فيها لمسيس الحاجة إليها، وهي أنواع، نلخّص ما تيسّر منها، وهي مما كتبه الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن آل بسّام حفظه الله تعالى فِي كتابه "الاختيارات الجلية" التي كتبها فِي هامش كتابه "نيل المآرب فِي تهذيب شرح عمدة الطالب"، فقد لخّصها، وأحسن فِي ذلك:
(فمنها): حكم الآمر بالشراء، وهو أن يتقدّم شخص إلى بنك أو غيره، فيطلب منه شراء سلعة معيّنة، أو سلعة موصوفة؛ ليشتريها البنك لنفسه، ثم يبيعها عَلَى الآمر بالشراء بثمن مؤجّل زائد عَلَى الثمن الذي اشتراها به، فهذه الصورة إن كَانَ شراء الأول شراء صحيحًا بمعنى أن السلعة دخلت فِي ملكه، وتحمّل مسؤوليّة الشراء، وتبعات الملك، منْ تلف، أو خسارة إن قُدّر ذلك، وإن الآمر بالشراء لو عدل عن وعده بالشراء، للزمت المشتري الأول، فهذا بيع صحيحٌ فِي العقد الأول، وفي العقد الثاني. وأما إن كَانَ الشراء الأول صوريّا فقط، فالمشتري الأول لم يشتر حقيقة، وإنما سلّم ثمن السلعة حاضرةً؛ ليربَح الزيادة المقابلة للأجل، فهذا ليس بيعًا، وإنما هو قرض جرّ نفعاً، وهو محرّم بالإجماع.
(ومنها): خيار الشرط الممنوع، وصورته أن يكون لرجل عَلَى آخر دينٌ، لا يستطيع وفاءه إلا ببيع عقاره الذي لا يرغب فِي بيعه حقيقةً، والدائن يريد استيفاء دينه، فيعمِد

الصفحة 341