كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)

شيكات يسحبون بموجبها أكثر مما لهم منْ رصيد فِي البنك، والبنك يصرف الشيك؛ لأنه يثق فِي عميله ثقة تامّةً، أو لأن عنده ضمانات أُخر للسداد، والبنك يقيّد عليه المبلغ الذي سحبه، ويقيّد عليه زيادة هي الفائدة الربوية، فالساحب أخذ منْ البنك قرضًا ربويًا، وهذا ما أجمع علماء المسلمين عَلَى تحريمه؛ لأنه منْ الربا.
والحلّ لهذه المعاملة المحرّمة، وأمثالها هو تطبيق الشريعة الإِسلاميّة فِي معاملاتنا كما نطبّقها فِي عباداتنا. والله تعالى وليّ التوفيق.
البديل الإسلاميّ منْ أعمال الربا:
الحلال بيّن، والحرام بيّن، ولكن المشكل هو فِي الأمور المشبهة التي لا يعلمها كثير منْ النَّاس، فمن الحلاد البيّن البيع، قَالَ الله تعالى: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ} [البقرة: 275]، ومن الحرام البيّن الربا، قَالَ تعالى: {وَحَرَّمَ الرِّبَا}، أما الأمور المشكلة المشبهة، فعلى علماء المسلمين أن يدرسوها دراسة دقيقة عميقة وافيةً، فإذا اتّضح جانب الحلال أخذوا به، وإذا اتّضح جانب الحرام اجتنبوه. أما إذا أظلمت الأمور، واشتبهت، ولم تتضح، فعلينا أن نستبرىء لديننا وعرضنا, ولا نحوم حول الحمى، فنقع فيه، وحمى الله تعالى محارمه، والواجب عَلَى المسلمين أن يكون لهم شخصيّة مستقلّة فِي دينهم، ولا يكونوا إمّعةً لأنظمة بنوك، أنشأتها أفكار يهوديّة، ولا يهمها منْ الأعمال إلا جمع المال بأيّ طريق كَانَ، وبأيّ وسيلة توصّل بها، وإنما واجب المسلمين منْ علماء، ورجال الاقتصاد أن يُخضعوا البنوك لاقتصاد إسلاميّ مستقلّ متميّز، والبديل الإسلاميّ ليس نظريّة منْ النظريّات، وإنما هو حقيقة ثابتة مدركة، فالإِسلام عاش أزهى عصور اقتصاده قرونًا طويلة، بلغت شعوبه منْ الثروة الطائلة، والرفاهية والرخاء ما لم تبلغه دولة منْ الدول القديمة والجديدة، وها هي التجربة الثابتة فِي دولة باكستان التي أعلنت منع التعامل بنظام الفائدة الربويّة فِي جميع البنوك، فأصبحت تجربة ناجحة رائدة.
وإن منْ البدائل التي يقدّمها الإِسلام المعاملاتِ الآتية:
1 - باب السلم الذي فتحه الإِسلام فِي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} الآية [البقرة: 282]، وَقَالَ -صلى الله عليه وسلم-: "منْ أسلف فِي شيء، فليُسلف فِي كيل معلوم، ووزن معلوم، إلى أجل معلوم"، فبالسلم يستفيد البائع بتعجيل الثمن للقيام بلوازمه، ويستفيد المشتري لشرائه السلعة برخص.
2 - بيع السلع بالتقسيط بآجال معلومة، وأقساط معلومة، فيستفيد البائع بزيادة الثمن فِي سلعته، ويستفيد المشتري بدفع الثمن بأقساط ميسّرة.

الصفحة 345