كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)

[الأولى]: مسألة التورّق، والتورّق هو أن يشتري الإنسان السلعة بثمن مؤجّل، لا لذات السلعة، وإنما ليبيعها عَلَى غير بائعها عليه، وينتفع بثمنها، والراجح منْ قولي العلماء جوازها؛ لأن الأصل فِي الشرع حلّ جميع المعاملات، وأنه لا يحرم منها إلا ما قام الدليل عَلَى تحريمه، وأنه لا يُعلم حجة شرعيّة تمنع منْ هذه المعاملة، بل عموم الْحَدِيث المتّفق عليه، منْ حديث أبي سعيد الخدريّ، وأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- استعمل رجلاً عَلَى خيبر الْحَدِيث الذي تقدّم للنسائيّ فِي أول هَذَا الباب أقوى حجة عَلَى صحّته.
[الثانية]: البيع بالتقسيط، وهذا البيع منْ البيوع المنتشرة فِي عصرنا انتشارًا كبيرًا، وكثر التعامل به، واحتاج النَّاس إليه فِي شراء مراكبهم، وتأثيث منازلهم، والحصول عَلَى حاجاتهم، وضروراتهم، وصفته أن يشتري السلعة منْ التاجر بثمن مؤجّل مقسّط، زائد عَلَى ثمنها لو عُجّل حال الشراء، فيستفيد الطرفان -البائع والمشتري- فالبائع يستفيد الربح منْ الزيادة فِي الثمن، والمشتري يستفيد تسهيل دفع الثمن عليه أقساطًا معلومة الأجل والمقدار، فشرط حلّها العلم بالآجال، والعلم بقدر القسط الذي يحل فِي كل وقت، وهو بيع جائز، لا شبهة فيه، داخل تحت قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ} الآية [البقرة: 282].
[الثالثة]: السُّفْتَجَة:
وهي أن يكتب الإنسان لمن دفع إليه مالاً عَلَى سبيل التمليك لكي يقبض بدلاً عنه فِي بلد آخر معيّن، والقصد منها تفادي أخطار الطريق بنقل المال عيناً، وفي هذه الطريقة مصلحة مشتركة للطرفين، وَقَدْ اختلف العلماء فِي حكمها، فمنعها الحنفيّة، والشافعيّة؛ لأنها عندهم منْ القرض الذي جرّ نفعاً، وأجازها الحنابلة، ومنهم شيخ الإِسلام ابن تيميّة؛ لأنهم يرونها حوالةً، والمنفعة الحاصلة منها لا تخصّ المقرض، بل ينتفع بها الطرفان، والأصل فِي المعاملات الحلّ، ولا يوجد محذور شرعيّ يمنع منها، وهي مما اضطرّ النَّاس إليها فِي هَذَا العصر، والأخذ باليسر، منْ مقاصد الشريعة.
وكان عبد الله بن الزبير رضي الله تعالى عنهما فِي مكة، وأخوه مصعب فِي العراق، فكان الرجل يسلّم نقوده عبد الله، فيرسل معه ورقةً إلى مصعب، فيسلم الرجل مثل نقوده، ولم ينكر ذلك عليهما منْ عاصرهما منْ الصحابة -رضي الله عنهم-.
[الرابعة]: تحويلات البنوك، وصورته أن يستلم البنك نقود الرجل فِي بلد، ويُعطيه بها شيكًا ليستلمها فِي بلد آخر، وَقَدْ يكون التحويل منْ بنك لآخر فِي بلد واحد، وفائدة ذلك إذا كَانَ التحويل بين بلدين أنه مخرج حينما تمنع دولة البلد المحال إليها دخول

الصفحة 347