كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)
اجتمعا فِي منزل واحد، والمراد فِي بلدة واحدة، لا فِي بيت واحد.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هكذا قَالَ السنديّ، ولا حاجة لحمل المنزل عَلَى البلد، بل الصواب حمله عَلَى المكان الواحد, لأن ظاهر القصّة التي فِي رواية مسلم الآتية قريبًا ظاهرة فِي كون المراد به المكان الواحد، فإن معاوية -رضي الله عنه- خطب النَّاس منكرًا عَلَى عبادة، فبعد خطبته قام عبادة -رضي الله عنه- رادًّا عليه، فتفطّن. والله تعالى أعلم.
(بَيْنَ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ) -رضي الله عنه- (وَمُعَاوِيَةَ) بن أبي سفيان بن حرب -رضي الله عنه- (حَدَّثَهُمْ عُبَادَةُ) هكذا هنا، وفي "الكبرى" بدون واو، ولا فاء، فتكون الجملة مستأنفة. زاد فِي رواية قتادة، عن مسلم بن يسار الآتية: "وَكَانَ بَدْرِيًّا، وَكَانَ بَايَعَ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، أَنْ لَا يَخَافَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ".
وسبب هَذَا التحديث هو ما رواه مسلم فِي "صحيحه" منْ طريق حماد بن زيد، عن أيوب السختيانيّ، عن أبي قلابه، قَالَ: كنت بالشام فِي حلقة فيها مسلم بن يسار، فجاء أبو الأشعث، قَالَ: قالوا: أبو الأشعث، أبو الأشعث، فجلس، فقلت له: حَدِّث أخانا حديث عبادة بن الصامت، قَالَ: نعم غزونا غَزَاةً، وعلى النَّاس معاوية، فغَنِمنا غنائم كثيرة، فكان فيما غَنِمنا آنية منْ فضة، فأمر معاوية رجلاً أن يبيعها فِي أعطِيَات النَّاس، فتسارع النَّاس فِي ذلك، فبلغ عبادة بن الصامت، فقام، فَقَالَ: "إني سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ينهى عن بيع الذهب بالذهب، والفضة بالفضة، والبر بالبر، والشعير بالشعير، والتمر بالتمر، والملح بالملح، إلا سواء بسواء، عينا بعين، فمن زاد، أو ازداد، فقد أربى"، فرد النَّاس ما أخذوا، فبلغ ذلك معاوية، فقام خطيبا، فَقَالَ: ألا ما بال رجال، يتحدثون عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أحاديث، قد كنا نشهده، ونصحبه، فلم نسمعها منه، فقام عبادة بن الصامت، فأعاد القصة، ثم قَالَ: لنحدثن بما سمعنا منْ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وإن كره معاوية، أو قَالَ: وإن رَغِمَ، ما أبالي أن لا أصحبه فِي جنده ليلة سوداء. انتهى.
(قَالَ: نَهَانَا رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-) جملة القول تفسير لمعنى التحديث (عَنْ بَيْعِ الذَّهَبِ بِالذَّهَبِ، وَالْوَرِقِ بالْوَرِقِ) تقدّم أنه بفتح الواو، وكسر الراء، وتسكّن تخفيفًا: هي الفضّة المضروبة، وقيل: هي الفضّة مضروبة كانت، أم لا (وَالْبُرِّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرِ بِالشَّعِيرِ، وَالتَّمْرِ بِالتَّمْرِ، قَالَ أَحَدُهُمَا) أي مسلم بن يسار، أو عبد الله بن عتيق (وَالْمِلْحِ بِالْمِلْحِ، وَلَمْ يَقُلْهُ الآخَرُ) يعني أن أحدهما اقتصر عَلَى ذكر غير الملح (إِلاَّ مِثْلاً بِمِثْلِ) أي إلا متماثلين (يَدًا بِيَدٍ) أي إلا متقابضين (وَأَمَرَنَا أن نَبيعَ الذَّهَبَ بِالْوَرِقِ، وَالْوَرِقَ بِالذَّهَبِ، وَالْبُرَّ بِالشَّعِيرِ، وَالشَّعِيرَ بِالْبُرِّ، يَدًا بيَدِ، كَيْفَ شِئْنَا) أي منْ حيث الكمّيّة، وإلا فلابدّ منْ مراعاة التقابض، كما بيّنه بقوله: "يدَا بيد" (قَالَ أَحَدُهُمَا: فَمَنْ زَادَ، أَوِ ازْدَادَ) متعلّق
الصفحة 355
389