كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)
وقوله: "ما بال رجال الخ": أي ما حالهم، وما شأنهم، وهذا إنكار منْ معاوية -رضي الله عنه- عَلَى عبادة -رضي الله عنه-، والظاهر أنه منْ باب الخوف عليه أن ينسى بعض الْحَدِيث، فيخطىء عَلَى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
[تنبيه]: قَالَ السنديّ: قوله: "فَقَالَ: ما بال رجال" استدلال بالنفي عَلَى ردّ الْحَدِيث الصحيح بعد ثبوته، مع اتّفاق العقلاء عَلَى بطلان الاستدلال بالنفي، وظهور بطلانه بأدنى نظر، بل بديهة، فهذا جراءة عظيمة يغفر الله لنا وله. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: وأنا أقول: سامح الله السنديّ فِي هذه الجراءة العظيمة عَلَى هَذَا الصحابيّ الجليل -رضي الله عنه-، ولو أن إمام مذهبه خالف الْحَدِيث الصحيح، لما استجاز أن يقول هَذَا الكلام فِي حقه، بل يعتذر عنه بأعذار، لا تسمن، ولا تغني منْ جوع، فكيف استجاز هَذَا الكلام البَشِع عَلَى هَذَا الصحابيّ الجليل -رضي الله عنه-، بل الصواب أن مثل هَذَا كثيرًا ما يصدر عن غيره منْ الصحابة -رضي الله عنهم-، إذا سمعوا بعض الأحاديث التي كانوا يظنون أن حكم الشرع بخلافها، ظنّا منهم أن الذي حدّث بها ربما يهم، وربما يحذف نسيانًا بعض القيود، أو الشروط التي ذكرها النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فتنبيهًا عَلَى هَذَا يصدر منهم إنكارٌ، لا لردّ ما ثبت عنه -صلى الله عليه وسلم-، فحاشا معاوية -رضي الله عنه- أن يتّهم بمثل هَذَا، فقد أنكر عمر -رضي الله عنه- عَلَى عمّار حديث التيمم للجنب، وأنكر عَلَى فاطمة بنت قيس حديثها ليس للمطلقة البائن نفقة، ولا سكنى، وأنكرت عائشة عَلَى ابن عمر وغيره أحاديث كثيرة، فالواجب علينا إذا سمعنا مثل هَذَا صدر عن الصحابة -رضي الله عنهم- أن نعتذر عنهم، ولا نطوّل ألسنتنا، بل نقول: {مَا يَكُونُ لَنَا أَنْ نَتَكَلَّمَ بِهَذَا سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور: 16]، والله تعالى المستعان عَلَى منْ تطاول عَلَى الصحابة الكرام -رضي الله عنهم-، ولا حول ولا قوّة إلا بالله العليّ العظيم.
وقوله. "وإن رَغَم معاوية": بفتح الراء، والغين المعجمة، ويقال بكسر الغين، يقال: رَغَمَ أنفه رَغْمًا، منْ باب قتل، ورَغِمَ، منْ باب تَعِبَ لغةٌ: كناية عن الذلّ، كأنه لَصِقَ بالرَّغَام هَوَانًا، والرَّغام بالفتح: التراب، ويتعدّى بالألف، فيقال: أرغم الله أنفه، وفعلته عَلَى رُغْم أنفه بالفتح، والضَّمّ: أي عَلَى كُرْه منه. قاله الفيّوميّ.
وقوله. (خَالَفَهُ قَتَادَةُ) أي خالف محمدَ بنَ سيرين قتادةُ بنُ دعامة فِي روايته لهذا الْحَدِيث فـ (رَوَاهُ عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ، عَنْ عُبَادَةَ) -رضي الله عنه- حاصل ما أشار إليه أن قتادة خالف محمد بن سيرين، حيث رواه عن مسلم يسار، عن عبادة -رضي الله عنه-، فرواه عن مسلم بن يسار، عن أبي الأشعث الصنعانيّ، عن عبادة، فأدخل واسطة بين مسلم، وبين عبادة -رضي الله عنه-، كما بين روايته بقوله:
4565 - (أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ آدَمَ، عَنْ عَبْدَةَ، عَنِ ابْنِ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ
الصفحة 359
389