كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)

منْ المماثلة وزنًا، وأن يكون يدا بيد، وإن كَانَ بالذهب فلابد منْ التقابض فِي المجلس، والبيع بالأعطيات الظاهر أنه هو البيع بما يتقاضونه منْ راتبهم التي يعطيهم أميرهم، فلا يتحقق فيها التساوي، ولا التقابض.
وقوله: "لا أدري ما هي" أي لا أعلم أهي جائزة، أم لا؟ ولعله لم يتبيّن له بيوعهم بالتفصيل، وإلا فما عملوه هو الربا بعينه.
وقوله: "تبرها، وعينها" مبتدأ حذف خبره: أي سواء، و"التبر" بكسر، فسكون: غير المضروب، قَالَ الفيّوميّ رحمه الله تعالى: التبر: ما كَانَ منْ الذهب غيرَ مضروب، فإن ضُرب دنانير، فهو عينٌ، وَقَالَ ابن فارس: التبر: ما كَانَ منْ الذهب والفضّة غير مصوغ، وَقَالَ الزجّاج: التبر: كلُّ جوهر قبل استعماله، كالنحاس، والحديد، وغيرهما. انتهى.
وقوله: "والفضّة أكثرهما" الجملة فِي محلّ نصب عَلَى الحال، وهذا ليس قيدًا، وإنما هو بناء عَلَى المتعارف عادةً، وإلا فلو كَانَ الذهب أكثر فلا يختلف الحكم، كما ثبت فِي الأحاديث الأخرى بلفظ: "وإذا اختلفت الأجناس، فبيعوا كيف شئتم، إذا كَانَ يدًا بيد".
وقوله: "مُدْيًا بمُدْيٍ": أي مكيالاً بمكيال، و"الْمُدْيُ" بضم الميم، وسكون الدال المهملة، كقُفْل: مكيال لأهل الشام، يسع خمسة عشر مَكّوكًا، والْمَكّوك بفتح الميم، وتشديد الكاف: صاع ونصف، وقيل: أكثر منْ ذلك. قاله فِي "النهاية" 4/ 310. وَقَالَ الفيّوميّ: الْمُدْيُ وزانُ قفل: مكيال يسع تسعة عشر صاعاً، وهو غير المدَّ. انتهى. وفي نسخة: "مدًّا بمدّ".
وفي الْحَدِيث دلالة عَلَى أن البرّ والشعير جنسان، كما هو مذهب الجمهور، لا جنس واحد، كما قَالَ به مالك.
والحديث أخرجه مسلم، وتقدّم قريبًا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
4566 - (أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، وَيَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالاَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا هَمَّامٌ، قَالَ: حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ أَبِي الأَشْعَثِ الصَّنْعَانِيِّ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "الذَّهَبُ بِالذَّهَبِ، تِبْرُهُ وَعَيْنُهُ، وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَالْفِضَّةُ بِالْفِضَّةِ، تِبْرُهُ وَعَيْنُهُ وَزْنًا بِوَزْنٍ، وَالْمِلْحُ بِالْمِلْحِ، وَالتَّمْرُ بِالتَّمْرِ، وَالْبُرُّ بِالْبُرِّ، وَالشَّعِيرُ بِالشَّعِيرِ، سَوَاءً بِسَوَاءٍ، مِثْلاً بِمِثْلٍ، فَمَنْ زَادَ، أَوِ ازْدَادَ، فَقَدْ أَرْبَى".

الصفحة 361