كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)
(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فيمن باع شيئا مما فيه الربا بعضه ببعض، ومعهما، أو مع أحدهما منْ غير جنسه:
قَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: وهذه هي المسألة المشهورة فِي كتب الشافعيّ، وأصحابه وغيرهم، المعروفة بـ"مسألة مُدّ عجوة"، وصورتها: باع مُدّ عجوة ودرهما، بمدي عجوة، أو بدرهمين، لا يجوز؛ لهذا الْحَدِيث، وهذا منقول عن عمر بن الخطاب، رضي الله عنه وابنه، وجماعة منْ السلف، وهو مذهب الشافعيّ، وأحمد، وإسحق، ومحمد بن عبد الحكم المالكي.
وَقَالَ أبو حنيفة، والثوري، والحسن بن صالح: يجوز بيعه بأكثر مما فيه منْ الذهب، ولا يجوز بمثله، ولا بدونه.
وَقَالَ مالك، وأصحابه، وآخرون: يجوز بيع السيف المحلَّى بذهب وغيره، مما هو فِي معناه، مما فيه ذهب، فيجوز بيعه بالذهب، إذا كَانَ الذهب فِي المبيع تابعا لغيره، وقدّرُوه بأن يكون الثلث، فما دونه.
وَقَالَ حماد بن أبي سليمان: يجوز بيعه بالذهب مطلقا، سواء باعه بمثله منْ الذهب، أو أقل، أو أكثر، وهذا غلط، مخالف لصريح الْحَدِيث.
واحتج أصحاب القول الأول بحديث القلادة، وأجابت الحنفية بأن الذهب كَانَ فيها أكثر منْ اثني عشر دينارا، وَقَدْ اشتراها باثني عشر دينارا، قالوا: ونحن لا نجيز هَذَا، وإنما نجيز البيع إذا باعها، بذهب أكثر مما فيها، فيكون ما زاد منْ الذهب المنفرد، فِي مقابلة الخرز ونحوه، مما هو مع الذهب المبيع، فيصير كعقدين، وأجاب الطحاوي، بأنه إنما نُهِي عنه؛ لأنه كَانَ فِي بيع الغنائم؛ لئلا يُغبن المسلمون فِي بيعها، قَالَ الشافعيّة: وهذان الجوابان ضعيفان، لاسيما جواب الطحاوي، فإنه دعوى مجردة، قالوا: ودليل صحة قولنا، وفساد التأويلين، أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "لا يباع حَتَّى يفصل"، وهذا صريح فِي اشتراط فصل أحدهما عن الآخر فِي البيع، وأنه لا فرق بين أن يكون الذهب المبيع قليلا، أو كثيرا، وأنه لا فرق بين بيع الغنائم وغيرها. انتهى "شرح مسلم" 11/ 20 - 21. ببعض تصرّف.
وَقَالَ الموفق رحمه الله تعالى: فِي "المغني": وإن باع شيئا فيه الربا، بعضه ببعض، ومعهما أو مع أحدهما منْ غير جنسه، كمدّ ودرهم، بمد ودرهم، أو بمدين أو بدرهمين، أو باع شيئا مُحَلّى بجنس حليته، فهذه المسألة تُسمّى "مسألة مُدّ عَجْوَة"، والمذهب أنه لا يجوز ذلك، نص عَلَى ذلك أحمد فِي مواضع كثيرة، وذكره قدماء الأصحاب، قَالَ ابن أبي موسى فِي السيف الْمُحَلّى، والمِنطقة، والمراكب المحلاة
الصفحة 377
389