كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)
بجنس ما عليها, لا يجوز قولا واحدا، وروي هَذَا عن سالم بن عبد الله، والقاسم بن محمد، وشُريح، وابن سيرين، وبه قَالَ الشافعيّ، وإسحاق، وأبو ثور. وعن أحمد رواية أخرى، تدل عَلَى أنه يجوز، بشرط أن يكون المفرد أكثر منْ الذي معه غيره، أو يكون مع كل واحد منهما منْ غير جنسه، فإن مُهَنّا نقل عن أحمد، فِي أن بيع الزُّبْد باللبن يجوز، إذا كَانَ الزبد المنفرد أكثر منْ الزبد، الذي فِي اللبن. ورَوَى حرب، قَالَ: قلت لأحمد: دفعتُ دينارا كوفيا ودرهما، وأخذت دينارا شاميا، وزنهما سواء، لكن الكوفيّ أوضع؟، قَالَ: لا يجوز إلا أن ينقص الدينار، فيعطيه بحسابه فضة، وكذلك روى عنه محمد بن أبي حرب الجرجرائي، وروى الميموني أنه سأله: لا يشتري السيف، والمنطقة حَتَّى يفصلها؟ فَقَالَ: لا يشتريها حَتَّى يفصلها، إلا أن هَذَا أهون منْ ذلك؛ لأنه قد يشتري أحد النوعين بالآخر يفصله، وفيه غير النوع الذي يشتري به، فإذا كَانَ منْ فضل الثمن، إلا أن مَن ذهب إلى ظاهر القلادة لا يشتريه حَتَّى يفصله، قيل له: فما تقول أنت؟ قَالَ: هَذَا موضع نظر. وَقَالَ أبو داود: سمعت أحمد، سئل عن الدراهم الْمُسَيَّبِيّة (¬1) بعضها صفر، وبعضها فضة بالدراهم؟ قَالَ: لا أقول فيه شيئا. قَالَ أبو بكر: روى هذه المسألة عن أبي عبد الله خمسة عشرة نفسا، كلهم اتفقوا عَلَى أنه لا يجوز حَتَّى يفصل، إلا الميموني، ونقل مهنا كلاما آخر.
وَقَالَ حماد بن أبي سليمان، وأبو حنيفة: يجوز، هَذَا كله إذا كَانَ المفرد أكثر منْ الذي معه غيره، أو كَانَ مع كل واحد منهما منْ غير جنسه. وَقَالَ الحسن: لا بأس ببيع السيف المحلى بالفضة بالدراهم، وبه قَالَ الشعبي، والنخعي.
واحتج منْ أجاز ذلك، بأن العقد إذا أمكن حمله عَلَى الصحة، لم يحمل عَلَى الفساد؛ لأنه لو اشترى لحما منْ قَصّاب جاز، مع احتمال كونه ميتة، ولكن وجب حمله عَلَى أنه مُذَكّى؛ تصحيحا للعقد، ولو اشترى منْ إنسان شيئا جاز، مع احتمال كونه غير ملكه، ولا إذن له فِي بيعه؛ تصحيحا للعقد أيضا، وَقَدْ أمكن التصحيح هاهنا بجعل الجنس فِي مقابلة غير الجنس، أو جعل غير الجنس فِي مقابلة الزائد عَلَى المثل.
واحتجّ الأولون بحديث فضالة بن عبيد -رضي الله عنه- المذكور فِي الباب. ولأن العقد إذا جمع عوضين مختلفي الجنس، وجب أن ينقسم أحدهما عَلَى الآخر عَلَى قدر قيمة الآخر فِي نفسه، فإذا اختلفت القيمة اختلف ما يأخذه منْ العوض، بيانه أنه إذا اشترى عبدين قيمة أحدهما مثل نصف قيمة الآخر بعشرة، كَانَ ثمن أحدهما ثلثي العشرة والآخر
¬__________
(¬1) والمسيّبيّة: درهم منْ ضرب الإِسلام اهـ معجم البلدان 1/ 519.
الصفحة 378
389