كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 34)

بنظيره فِي العلم. (ومنها): أن فيه جواز بيع الربويّات بعضها ببعض إذا كَانَ يدًا بيد. (ومنها): ما قيل: إنه يُستدلّ به عَلَى جواز تفريق الصفقة، فيصحّ الصحيح منها، ويبطل ما لا يصحّ. وفيه نظر؛ لاحتمال أن يكون أشار إلى عقدين مختلفين. قاله فِي "الفتح" 5/ 432 "كتاب الشركة". والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو حسبنا، ونعم الوكيل.
(المسألة الرابعة): فِي اختلاف أهل العلم فِي اشتراط التقابض فِي الصرف قبل التفرّق:
قَالَ فِي "المغني" 6/ 112 - 113: قَالَ ابن المنذر رحمه الله تعالى: أجمع كل منْ نحفظ عنه منْ أهل العلم، عَلَى أن المتصارفين إذا افترقا، قبل أن يتقابضا أن الصرف فاسد، والأصل فيه قول النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "الذهب بالورق ربا إلا هاء وهاء"، وقوله عليه السلام: "بيعوا الذهب بالفضة كيف شئتم يدا بيد"، ونهى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن بيع الذهب بالورق دَينًا، ونهى أن يباع غائب منها بناجز"، وكلها أحاديث صحاح، ويجزىء القبض فِي المجلس وإن طال، ولو تماشيا مصطحبين إلى منزل أحدهما، أو إلى الصرّاف فتقابضا عنده جاز، وبهذا قَالَ الشافعيّ، وَقَالَ مالك: لا خير فِي ذلك؛ لأنهما فارقا مجلسهما.
والأصحّ أنهما لم يفترقا قبل التقابض، فأشبه ما لو كانا فِي سفينة، تسير بهما، أو راكبين عَلَى دابة واحدة تمشي بهما، وَقَدْ دل عَلَى ذلك حديث أبي برزة الأسلمي -رضي الله عنه- فِي قوله للذين مشيا إليه منْ جانب العسكر: وما أراكما افترقتما. وإن تفرقا قبل التقابض بطل الصرف؛ لفوات شرطه، وإن قبض البعض، ثم افترقا بطل فيما لم يقبض، وفيما يقابله منْ العوض، وهل يصح فِي المقبوض عَلَى وجهين، بناء عَلَى تفريق الصفقة، ولو وكل أحدهما وكيلا فِي القبض، فقبض الوكيل قبل تفرقهما جاز، وقام قبض وكيله مقام قبضه، سواء فارق الوكيل المجلس قبل القبض، أو لم يفارقه، وإن افترقا قبل قبض الوكيل بطل؛ لأن القبض فِي المجلس شرط، وَقَدْ فات، وإن تخايرا قبل القبض فِي المجلس، لم يبطل العقد بذلك؛ لأنهما لم يفترقا قبل القبض، ويحتمل أن يبطل، إذا قلنا بلزوم العقد، وهو مذهب الشافعيّ؛ لأن العقد لم يبق فيه خيار قبل القبض، أشبه ما لو افترقا، والصحيح الأول؛ فإن الشرط التقابض فِي المجلس، وَقَدْ وُجد واشتراط التقابض قبل اللزوم، تحكم بغير دليل، ثم يبطل بما إذا تخايرا قبل الصرف، ثم اصطرفا، فإن الصرف يقع لازما صحيحا قبل القبض، ثم يشترط القبض فِي المجلس. انتهى ما فِي "المغني"، وهو بحث نفيس. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب،

الصفحة 383