كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 35)

يثبت سلما يُملك بالبيع، ويُضبط بالوصف، فجاز قرضه، كالمكيل والموزون، وقولهم: لا مثل له، خلاف أصلهم، فإن عند أبي حنيفة: لو أتلف عَلَى رجل ثوبا، ثبت فِي ذمته مثله، ويجوز الصلح عنه بأكثر منْ قيمته.
قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: فأما ما لا يثبت فِي الذمة سلمًا، كالجواهر، وشبهها، فَقَالَ القاضي: يجوز قرضها، ويرد المستقرض القيمة؛ لأن ما لا مثل له يُضمن بالقيمة، والجواهر كغيرها فِي القيم، وَقَالَ أبو الخطاب: لا يجوز قرضها؛ لأن القرض يقتضي رد المثل، وهذه لا مثل لها, ولأنه لم ينقل قرضها, ولا هي فِي معنى ما نُقل القرض فيه؛ لكونها ليست منْ المرافق، ولا يثبت فِي الذمة سلما، فوجب إبقاؤها عَلَى المنع، ويمكن بناء هَذَا الخلاف عَلَى الوجهين فِي الواجب فِي بدل غير المكيل والموزون، فإذا قلنا الواجب رد المثل، لم يجز قرض الجواهر، وما لا يثبت فِي الذمة سلما لتعذر رد مثلها، وإن قلنا الواجب رد القيمة، جاز قرضه لإمكان رد القيمة، ولأصحاب الشافعيّ وجهان كهذين.
قَالَ: فأما بنو آدم، فَقَالَ أحمد: أكره قرضهم، فيحتمل كراهية تنزيه، ويصح قرضهم، وهو قول ابن جريج، والمزني؛ لأنه مال يثبت فِي الذمة سلما، فصح قرضه، كسائر الحيوان، ويحتمل أنه أراد كراهة التحريم، فلا يصح قرضهم، واختاره القاضي؛ لأنه لم ينقل قرضهم، ولا هو منْ المرافق، ويحتمل صحة قرض العبيد دون الإماء، وهو قول مالك، والشافعي، إلا أن يقرضهن منْ ذوي محارمهن؛ لأن الملك بالقرض ضعيف، فإنه لا يمنعه منْ ردها عَلَى المقرض، فلا يستباح به الوطء، كالملك فِي مدة الخيار، وإذا لم يبح الوطء فلم يصح القرض؛ لعدم القائل بالفرق، ولأن الأبضاع مما يحتاط لها, ولو أبحنا قرضهن، أفضي إلى أن الرجل يستقرض أمة، فيطؤها ثم يردها منْ يومه، ومتى احتاج إلى وطئها استقرضها فوطئها ثم ردها، كما يستعير المتاع، فينتفع به ثم يرده.
قَالَ الموفّق: ولنا أنه عقد ناقل للملك، فاستوى فيه العبيد والإماء، كسائر العقود، ولا نسلم ضعف الملك، فإنه مطلق لسائر التصرفات، بخلاف الملك فِي مدة الخيار، وقولهم: متى شاء المقترض ردها ممنوع، فإننا إذا قلنا الواجب رد القيمة لم يملك المقترض رد الأمة، وإنما يرد قيمتها، وإن سلمنا ذلك، لكن متى قصد المقترض هَذَا لم يحل له فعله، ولا يصح اقتراضه، كما لو اشترى أمة ليطأها، ثم يردها بالمقايلة، أو بعيب فيها، وإن وقع هَذَا بحكم الإتفاق لم يمنع الصحة، كما لو وقع ذلك فِي البيع، وكما لو أسلم جارية فِي أخرى، موصوفة بصفاتها، ثم ردها بعينها عند حلول الأجل،

الصفحة 101