كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 35)

صرح فِي هَذَا الباب عند البخاريّ، بأنه سمعه منْ أبي سلمة بن عبد الرحمن بمنى، ولفظه: قَالَ: سمعت أبا سلمة بمنى، يُحدّث عن أبي هريرة -رضي الله عنه-، فذكره، وذلك لما حج. انتهى. والله تعالى أعلم.
شرح الْحَدِيث
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه-، أنه (قَالَ: كَانَ لِرَجُلٍ عَلَى النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، سِنٌّ مِنَ الْإِبِلِ، فَجَاءَ يَتَقَاضَاهُ) أي يطلب منه قضاء الدين، وفي رواية أحمد عن عبد الرزّاق، عن سفيان: "جاء أعرابيّ، يتقاضى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بعيرًا"، وله عن يزيد بن هارون، عن سفيان: "استقرض النبيّ -صلى الله عليه وسلم- منْ رجل بعيرًا"، وللترمذيّ منْ طريق عليّ بن صالح، عن سلمة: "استقرض النبيّ -صلى الله عليه وسلم- سنّا".
زاد فِي رواية البخاريّ: فأغلظ له، فهمّ به أصحابه، فَقَالَ: "دعوه، فإن لصاحب الحقّ مقالاً".
وقوله: "فأغلظ له": يحتمل أن يكون الإغلاظ بالتشديد فِي المطالبة منْ غير قدر زائد. ويحتمل أن يكون بغير ذلك، ويكون صاحب الدين كافرًا، فقد قيل: إنه كَانَ يهوديًا، والأول أظهر؛ لما تقدّم منْ رواية عبد الرزاق أنه كَانَ أعرابيًّا، وكأنه جرى عَلَى عادته منْ جفاء المخاطبة.
قَالَ الحافظ: ووقع فِي ترجمة بكر بن سهل فِي "معجم الطبراني" عن العرباض بن سارية -رضي الله عنه- ما يُفهم أنه هو، لكن روى النسائيّ، والحاكم الْحَدِيث المذكور، وفيه ما يقتضي أنه غيره، وأن القصّة وقعت لأعرابيّ، ووقع للعرباض نحوها. انتهى.
وَقَالَ القرطبيّ: هَذَا الرجل كَانَ منْ اليهود، فإنهم كانوا أكثر منْ يُعامل بالدين. وحُكي أن القول الذي قاله، إنما هو: إنكم يا بني عبد المطّلب مُطلٌ، وكذب اليهوديّ، لم يكن هَذَا معروفًا منْ أجداد النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولا أعمامه، بل المعروف منهم الكرم، والوفاء، والسخاء، وبعيدٌ أن يكون هَذَا القائل مسلمًا، إذ مقابلة النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بذلك أذى للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأذاه كفر. انتهى "المفهم" 4/ 509.
وقوله: "فهمّ به أصحابه": أي أراد أصحاب النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أن يؤذوه بالقول، أو الفعل، لكن لم يفعلوا أدبًا مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم-. وقوله: "فإن لصاحب الحقّ مقالاً": أي صولة الطلب، وقوّة الحجة، لكن عَلَى منْ يمطُل، أو يسيء المعاملة، وأما منْ أنصف منْ نفسه، فبذل ما عنده، واعتذر عما ليس عنده، فيُقبل عذره، ولا تجوز الاستطالة عليه، ولا كَهْرُه. قاله فِي "الفتح"، و"المفهم".
(فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (أَعْطُوهُ) وفي رواية البخاريّ: "واشتروا له بعيرًا، فأعطوه إياه"، وفي

الصفحة 103