كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 35)

[اعلم]: أنه اختلف العلماء فِي تصحيح هَذَا الْحَدِيث، وتضعيفه، قَالَ المنذري رحمه الله تعالى: -أخرجه الترمذيُّ، والنسائي، وابن ماجه، وَقَالَ الترمذيّ: حسن صحيح، وسماع الحسن منْ سمرة -رضي الله عنه- صحيح، هكذا قَالَ علي بن المديني وغيره. هَذَا آخر كلامه. وَقَدْ تقدم اختلاف الأئمة فِي سماع الحسن منْ سمرة -رضي الله عنه-. وَقَالَ الشافعيّ رضي الله عنه: وأما قوله: "نهى النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة"، فهو غير ثابت، عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-. وَقَالَ الخطّابيّ: الحسن عن سمرة مختلف فِي اتصاله عند أهل الْحَدِيث، قَالَ الخطابيّ: أخبرنا ابن الأعرابيّ، قَالَ حدثنا عبّاس الدُّوريّ، عن يحيى بن معين: قَالَ: الحسن عن سمرة صحيفة. وَقَالَ محمد بن إسماعيل -يعني البخاريّ-: حديث النهي عن بيع الحيوان بالحيوان نسيئة، منْ طريق عكرمة، عن ابن عباس، رواه الثقات، عن ابن عباس موقوفا، أو عكرمة عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مرسل، قَالَ: وحديث زياد بن جبير، عن ابن عمر، إنما هو زياد بن جبير، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مرسل، وطرق هَذَا الْحَدِيث واهية، ليست بالقوية، وتأويله إذا ثبت عَلَى ما قلنا. انتهى "مختصر المنذريّ" 5/ 27 - 28. بزيادة منْ "معالم السنن" 5/ 28.
وَقَالَ البيهقيّ: أكثر الحفّاظ لا يثبتون سماع الحسن منْ سمرة -رضي الله عنه- فِي غير حديث العقيقة. انتهى.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: الذي يظهر لي أن الْحَدِيث ضعيفٌ، أما عَلَى قول منْ يقول بعدم سماع الحسن منْ سمرة، سوى حديث العقيقة، فظاهرٌ، وأما عَلَى قول منْ يقول بسماعه منه مطلقًا، فإنه مدلّس، وَقَدْ عنعنه، والمدلّس إذا لم يصرّح بالسماع لا يقبل، مع مخالفته للأحاديث الصحيحة التي تدلّ عَلَى جواز بيع الحيوان بالحيوان متفاضلاً نسيئة:
(منها): ما أخرجه الإِمام مسلم رحمه الله تعالى فِي "صحيحه" عن أنس -رضي الله عنه-: "أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- اشترى صفيّة منْ دحية الكلبيّ بسبعة أرؤس".
(ومنها): ما أخرجه أبو داود رحمه الله تعالى فِي "سننه" عن عبد الله بن عمرو رضي الله تعالى عنهما: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يجهّز جيشًا، فنفدت الإبل، فأمره أن يأخذ فِي قلاص الصدقة، فكان يأخذ البعير بالبعيرين إلى إبل الصدقة". واختلف فِي إسناده عَلَى محمد بن إسحاق، قَالَ البيهقيّ بعد أن ساقه منْ طريق حماد سلمة، عن ابن إسحاق: وحماد بن سلمة أحسنهم سياقة له، وله شاهد صحيح، ثم ساق بسنده عن ابن جريج، أن عمرو بن شعيب أخبره، عن أبيه، عن عبد الله بن عمرو بن العاص: "أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أمره أن يُجهّز جيشًا، قَالَ عبد الله بن عمرو: وليس عندنا ظهر، قَالَ:

الصفحة 111