كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 35)

إلى أجل": أما قول سعيد: فوصله مالك، عن ابن شهاب عنه، لا ربا فِي الحيوان، ووصله ابن أبي شيبة، منْ طريق أخرى، عن الزهريّ عنه، لا بأس بالبعير بالبعيرين نسيئة.
وقوله: "وَقَالَ ابن سيرين: لا بأس ببعير ببعيرين، ودرهم بدرهم نسيئة": وصله عبد الرزاق، منْ طريق أيوب عنه، بلفظ: "لا بأس بعير ببعيرين، ودرهم بدرهم نسيئة، فإن كَانَ أحد البعيرين نسيئة، فهو مكروه. وروى سعيد بن منصور، منْ طريق يونس عنه، أنه كَانَ لا يرى بأسا بالحيوان بالحيوان يدا بيد، أو الدراهم نسيئة، ويكره أن تكون الدراهم نقدا، والحيوان نسيئة. انتهى "فتح" 5/ 170 - 171.
وَقَالَ الإِمام ابن القيّم رحمه الله تعالى: فِي "تهذيب السنن" 5/ 29: اختلف أهل العلم فِي هذه المسألة عَلَى أربعة أقوال، وهي أربع روايات عن أحمد:
[إحداها]: أن ما سوى المكيل والموزون منْ الحيوان، والنبات، ونحوه يجوز بيع بعضه ببعض متفاضلاً ومتساويًا، وحالّا، ونساء، وأنه لا يجري فيه الربا بحال، وهذا مذهب الشافعيّ، وأحمد فِي إحدى رواياته، واختارها القاضي، وأصحابه، وصاحب "المغني".
[والرواية الثانية عن أحمد]: أنه يجوز التفاضل فيه يدًا بيد، ولا يجوز نسيئةً، وهي مذهب أبي حنيفة، كما دلّ عليه حديثا جابر وابن عمر -رضي الله عنهم-.
[والرواية الثالثة عنه]: أنه يجوز فيه النسَاء إذا كَانَ متماثلاً، ويحرم مع التفاضل، وعلى هاتين الروايتين، فلا يجوز الجمع بين النسيئة والتفاضل، بل إن وجد أحدهما حرم الآخر، وهذا أعدل الأقوال فِي المسألة، وهو قول مالك، فيجوز عبد بعبدين حالا، وعبد بعبد نساء، إلا أن لمالك فيه تفصيلاً، والذي عقد عليه أصل قوله: أنه لا يجوز التفاضل والنساء معًا فِي جنس منْ الأجناس، والجنس عنده معتبر بإتفاق الأغراض والمنافع، فيجوز بيع البعير البختيّ بالبعيرين منْ الحمولة، ومن حاشية إبله إلى أجل؛ لاختلاف المنافع، وإن أشبه بعضها بعضًا، اختلفت أجناسها، أو لم تختلف، فلا يجوز منها اثنان بواحد إلى أجل.
فسِرُّ مذهبه أنه لا يجتمع التفاضل والنسَاء فِي الجنس الواحد عنده، والجنس ما اتفقت منافعه، وأشبه بعضه بعضًا، وإن اختلفت حقيقته، فهذا تحقيق مذاهب الأئمة فِي هذه المسألة المعضلة، ومآخذهم.
وحديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنه- صريح فِي جواز المفاضلة والنساء، وهو حديث حسن. قَالَ عثمان بن سعيد: قلت ليحيى بن معين: أبو سفيان الذي روى عنه محمد بن

الصفحة 114