كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 35)

يُدري أيهما الثمن الذي يختاره منهما، فيقعَ به العقد، وإذا جهل الثمن بطل البيع.
قَالَ صاحب "العون": وبمثل هَذَا فسر سماك، رواه أحمد، ولفظه: قَالَ سماك: هو الرجل يبيع البيع، فيقول: هو بنساء بكذا، وهو بنقد بكذا وكذا، وكذلك فسره الشافعيّ رحمه الله، فَقَالَ: بأن يقول بعتك بألف نقدا، وبألفين إلى سنة، فخذ أيهما شئت أنت، وشئت أنا.
ونقل ابن الرفعة عن القاضي: أن المسألة مفروضة عَلَى أنه قَبِل عَلَى الإبهام، أما لو قَالَ قبلت بألف نقدا، أو بألفين بالنسيئة، صح ذلك، كذا فِي النيل.
ثم قَالَ الخطّابيّ: والوجه الآخر: أن يقول: بعتك هَذَا العبد بعشرين دينارا، عَلَى أن تبيعني جاريتك بعشرة دنانير، فهذا أيضا فاسد؛ لأنه جعل ثمن العبد عشرين دينارا، وشرط عليه أن يبيعه جاريته بعشرة دنانير، وذلك لا يلزمه، وإذا لم يلزمه ذلك سقط بعض الثمن، فإذا سقط بعضه، صار الباقي مجهولا.
ومن هَذَا الباب أن يقول: بعتك هَذَا الثوب بدينارين، عَلَى أن تعطيني بهما دراهم صرف عشرين، أو ثلاثين بدينار. فأما إذا باعه شيئين بثمن واحد، كدار وثوب، أو عبد وثوب، فهذا جائز، وليس منْ باب البيعتين فِي البيعة الواحدة، وإنما هي صفقة واحدة، جمعت شيئين بثمن معلوم.
وعقد البيعتين فِي بيعة واحدة، عَلَى الوجهين الذين ذكرناهما، عند أكثر الفقهاء فاسد، وحُكي عن طاووس: أنه قَالَ: لا بأس أن يقول له: بعتك هَذَا الثوب نقدا بعشرة، وإلى شهرين بخمسة عشر، فيذهب به إلى أحدهما. وَقَالَ الحكم، وحمّاد: لا بأس به ما لم يفترقا. وَقَالَ الأوزاعيّ: لا بأس بذلك، ولكن لا يفارقه حَتَّى يُباتّه لأحد المعنيين، فقيل له: فإنه ذهب بالسلعة عَلَى ذينك الشرطين؟ فَقَالَ: هي بأقلّ الثمنين إلى أبعد الأجلين. قَالَ الخطّابيّ: هَذَا ما لا يُشكّ فِي فساده، فأما إذا باتّه عَلَى أحد الأمرين فِي مجلس العقد، فهو صحيح، لا خلف فيه، وذِكرُ ما سواه لغوٌ، لا اعتبار به. انتهى كلام الخطابيّ "معالم السنن" 5/ 97 - 99.
وقوله: "فله أوكسهما": أي أنقصهما، "أو الربا": قَالَ فِي "النيل": يعني أو يكون قد دخل هو وصاحبه فِي الربا المحرم، إذا لم يأخذ الأوكس، بل أخذ الأكثر، وذلك ظاهر فِي التفسير الذي ذكره ابن رسلان وغيره، وأما فِي التفسير الذي ذكره أحمد، عن سماك، وذكره الشافعيّ، ففيه مُتَمَسَّكٌ لمن قَالَ: يحرم بيع الشيء بأكثر منْ سعر يومه؛ لأجل النِّساء، وقالت الشافعيّة، والحنفية، والجمهور: إنه يجوز؛ لعموم الأدلة القاضية بجوازه، وهو الظاهر؛ لأن ذلك المتمسك، هو الرواية الأولى -يعني رواية: "منْ باع بيعتين فِي بيعة، فله أوكسهما، أو الربا"- منْ حديث أبي هريرة، وَقَدْ عرفت ما فِي

الصفحة 131