كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 35)

حُسَيْنٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُونُسُ، عَنْ عَطَاءٍ، عَنْ جَابِرٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم-، نَهَى عَنِ الْمُحَاقَلَةِ، وَالْمُزَابَنَةِ، وَالْمُخَابَرَةِ، وَعَنِ الثُّنْيَا إِلاَّ أَنْ تُعْلَمَ").
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: رجال هَذَا الإسناد كلهم رجال الصحيح.
و"عبّاد بن العوّام": هو أبو سهل الواسطيّ الثقة [8]. و"سفيان بن حسين" الواسطيّ، ثقة فِي غير الزهريّ باتفاقهم [7]. و"يونس": هو ابن عُبيد الثقة الثبت العابد الفاضل البصريّ [5]. و"عطاء": هو ابن أبي رباح.
وقوله: "عن المحاقلة": هو بيع الطعام فِي سنبله بالبرّ، مأخوذ منْ الحقل، وهو الزرع، إذا تشعّب منْ قبل أن يغلُظ سوقه، وقيل: المحاقلة كراء الأرض ببعض ما يخرج منها، وقيل: غير ذلك.
وقوله: "والمزابنة": هو أن يبيع ثمر حائطه، إن كَانَ نخلاً بتمر كيلاً، وإن كرمًا أن يبيعه بزبيب كيلاً، وإن كَانَ زرعًا أن يبيعه بكيل طعام. مشتق منْ الزبن، وهو الدفع.
وقوله: "والمخابرة": هي والمزارعة متقاربتان، وهما المعاملة عَلَى الأرض ببعض ما يخرج منها منْ الزرع، وقيل: غير ذلك.
وقوله: "وعن الثّنيا إلا أن تُعلم": الثنيا -بضم المثلثة، وسكون النون-: المراد بها الاستثناء فِي البيع، نحو أن يبيع الرجل شيئا، ويستثني بعضه، فإن كَانَ الذي استثناه معلوما، نحو أن يستثني واحدة منْ الأشجار، أو منزلا منْ المنازل، أو موضعا معلوما منْ الأرض، صح بالاتفاق، وإن كَانَ مجهولا، نحو أن يستثني شيئا غير معلوم، لم يصح البيع، وَقَدْ قيل: إنه يجوز أن يستثني مجهول العين، إذا ضرب لاختياره مدة معلومة؛ لأنه بذلك صار كالمعلوم، قَالَ الشوكانيّ: وبه قالت الهادوية، وَقَالَ الشافعيّ: لا يصح؛ لما فِي الجهالة حال البيع منْ الغرر، وهو الظاهر؛ لدخول هذه الصورة تحت عموم الْحَدِيث، وإخراجها يحتاج إلى دليل، ومجرد كون مدة الاختيار معلومة، وإن صار به عَلَى بصيرة فِي التعيين بعد ذلك، لكنه لم يصر به عَلَى بصيرة حال العقد، وهو المعتبر.
والحكمة فِي النهي عن استثناء المجهول، ما يتضمنه منْ الغرر، مع الجهالة. انتهى "نيل الأوطار" 5/ 161.
وَقَالَ النوويّ فِي "شرح مسلم": الثنيا المبطلة للبيع قوله: بعتك هذه الصبرة، إلا بعضها، وهذه الأشجار، أو الأغنام، أو الثياب، ونحوها إلا بعضها، فلا يصح البيع؛ لأن المستثنى مجهول، فلو قَالَ: بعتك هذه الأشجار، إلا هذه الشجرة، أو هذه الشجرة إلا ربعها، أو الصبرة إلا ثلثها، أو بعتك بألف إلا درهما، وما أشبه ذلك منْ الثنيا

الصفحة 143