كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 35)

يقبضه، فقيل له: أبرأيك تقوله؟ قَالَ: لا, ولكن أخذناه عن سلفنا، وأصحابنا، قَالَ ابن حزم: سلف الحسن هم الصحابة، أدرك منهم خمسمائة وأكثر، وأصحابه أكابر التابعين، فلو أقدم امرؤ عَلَى دعوى الإجماع هنا لكان أصحّ منْ الإجماع الذي ذكره مالك.
(القول الرابع): المنع منْ سائر التصرّفات، كالبيع، إلا العتق، والاستيلاد، والتزويج، والقسمة، هَذَا حاصل الفتوى فِي مذهب الشافعيّ، مع الخلاف فِي أكثر الصور، وأما الوقف، فَقَالَ المتوليّ فِي "التتمّة": إن قلنا: إن الوقف يفتقر إلى القبول، فهو كالبيع، وإلا فهو كالإعتاق، وبه قطع الماورديّ فِي "الحاوي"، وَقَالَ: يصير قابضًا، حَتَّى لو لم يرفع البائع يده عنه، صار مضمونًا عليه بالقيمة، فمن قصر المنع عَلَى البيع، اقتصر عَلَى مورد النصّ، ومن عدّاه إلى غيره، فبالقياس، وذلك متوقّفٌ عَلَى فهم العلّة فِي ذلك، ووجودها فِي الْفَرَع المقيس، والله تعالى أعلم.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي الأرجح القول الأول، وهو قصر النهي عَلَى البيع فقط؛ عملاً بظواهر النصوص، والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): فِي اختلاف أهل العلم فِي بيع ما مُلك بغير البيع قبل القبض:
قَالَ الحافظ وليّ الدين رحمه الله تعالى: والذي فِي الْحَدِيث المنع فيما مُلك بالبيع، وهو ساكت عما مُلك بغيره، وللعلماء فِي ذلك خلاف أيضًا:
قَالَ الشافعيّة: يلتحق بالمملوك بالبيع ما كَانَ فِي معناه، وهو ما كَانَ مضمونا عَلَى منْ هو فِي يده بعقد معاوضة، كالأجرة، والعوض المصالح عليه عن المال، وكذا الصداق؛ بناءً عَلَى أنه مضمون عَلَى الزوج ضمان عقد، وهو الأظهر، أما ما ليس مضمونًا عَلَى منْ هو تحت يده، كالوديعة، والإرث، أو مضمونًا ضمان يد، وهو المضمون بالقيمة، كالمستام، ونحوه، فيجوز بيعه قبل القبض؛ لتمام الملك فيه. ومذهب أحمد نحوه، قَالَ ابن تيميّة فِي "المحرّر": وكلّ عين مُلكت بنكاح، أو خُلع، أو صلح عن دم عمدًا، أو عتق، فهي كالبيع فِي ذلك كله، لكن يجب بتلفها مثلها، إن كانت مثليّة، وإلا فقيمتها, ولا فسخ لعقدها بحال، فأما ما ملك بإرث، أو وصيّة منْ مكيل، أو غيره، فالتصرّف فيه قبل قبضه جائزٌ. وفرّق ابن حزم فِي ذلك بين القمح وغيره، فَقَالَ فِي القمح: إنه بأيّ وجه ملكه لا يحلّ له بيعه قبل قبضه، وَقَالَ فِي غيره: متى ملكه بغير البيع فله بيعه قبل قبضه. انتهى "طرح التثريب" 5/ 1559.
وَقَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: وكل عوض ملك بعقد ينفسخ بهلاكه قبل القبض، لم

الصفحة 36