كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 35)

"القاموس": نقله: حوّله، فانتقل، والنُّقْلةُ بالضمّ: الانتقال. انتهى، ولعلّه أطلق الانتقال عَلَى النقل مجازًا، منْ إطلاق المسبّب عَلَى السبب. والله تعالى أعلم.
(مِنَ الْمَكَانِ الَّذِي ابْتَعْنَا فِيهِ) أي اشتريناه (إِلَى مَكَانٍ سِوَاهُ) أي غير مكان الشراء (قَبْلَ أَنْ نَبِيعَهُ) أي ليتمّ القبض عَلَى آكد الوجوه. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: حديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما هَذَا متّفقٌ عليه، وَقَدْ تقدّم تخريجه قبل باب، والكلام هنا عَلَى ما يتعلق بهذا الباب فقط، وفيه مسائل:
(المسألة الأولى): فِي فوائده:
(منها): ما ترجم له المصنّف رحمه الله تعالى، وهو بيان حكم ما يُشترى منْ الطعام جزافًا قبل نقله منْ مكانه، وهو المنع، فلا يجوز أن يبيعه إلا بعد قبضه، ونقله منْ محل الشراء إلى محلّ آخر، وفيه خلاف للعلماء، سيأتي تحقيقه فِي المسألة الثالثة، إن شاء الله تعالى.
(ومنها): أن فيه جواز بيع الصبرة جِزافا، سواءٌ عَلِم البائع قدرها، أم لم يعلم، وعن مالك التفرقة، فلو علم لم يصح، وسيأتي تحقيق ذلك فِي المسألة التالية، إن شاء الله تعالى. (ومنها): أن فيه مشروعيةَ تأديب منْ يتعاطى العقود الفاسدة؛ لقوله فِي الرواية الآتية: "رأيت النَّاس يُضربون عَلَى عهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا اشتروا الطعام جزافًا، أن يبيعوه حَتَّى يؤوه إلى رحالهم". (ومنها): إقامة الإِمام عَلَى النَّاس منْ يراعي أحوالهم فِي ذلك. (ومنها): ما قاله السيوطيّ رحمه الله تعالى: هَذَا أصل إقامة المحتسب عَلَى أهل السوق. (ومنها): أن هَذَا أصلٌ فِي ضرب المحتسب أهل الأسواق إذا خالفوا الحكم الشرعيّ فِي مبايعتهم، ومعاملاتهم. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثانية): فِي اختلاف أهل العلم فِي جواز بيع الصبرة جزافًا:
قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: ما حاصله: يجوز بيع الصبرة جزافا، مع جهل البائع والمشتري بقدرها، وبهذا قَالَ أبو حنيفة، والشافعي، ولا نعلم فيه خلافا، وَقَدْ نص عليه أحمد، ودل عليه قول ابن عمر: "كنا نشتري الطعام منْ الركبان جزافا، فنهانا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن نبيعه حَتَّى ننقله منْ مكانه"، مُتّفقٌ عليه، ولأنه معلوم بالرؤية، فصح بيعه كالثياب والحيوان، ولا يضر عدم مشاهدة باطن الصبرة، فإن ذلك يشق؛ لكون الحب بعضه عَلَى بعض، ولا يمكن بسطها حبة حبة، ولأن الحب تتساوى أجزاؤه فِي

الصفحة 48