كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 35)

(طَعَامًا) المراد به هنا الشعير؛ لما يأتي فِي الباب التالي، منْ حديث أنس -رضي الله عنه-: "ولقد رهن درعًا له، عند يهوديّ بالمدينة، وأخذ منه شعيرًا لأهله".
وكان قدر الشعير المذكور ثلاثين صاعا، كما هو عند البخاريّ منْ حديث عائشة فِي "الجهاد"، وأواخر "المغازي"، وكذلك رواه أحمد، والنسائيّ، وابن ماجه، والطبراني وغيرهم منْ طريق عكرمة، عن ابن عباس، وأخرجه الترمذيّ، منْ هَذَا الوجه، فَقَالَ: "بعشرين".
قَالَ الحافظ رحمه الله تعالى: ولعله كَانَ دون الثلاثين، فجبر الكسر تارة، وأُلغي أخرى، ووقع لابن حبّان منْ طريق شيبان، عن قتادة، عن أنس: أن قيمة الطعام كانت دينارا، وزاد أحمد منْ طريق شيبان فِي آخره: "فما وجد ما يفتكّها به حَتَّى مات".
(إِلَى أَجَلٍ) قد تبيّن مدة الأجل عند ابن حبّان فِي "صحيحه" منْ طريق عبد الواحد بن زياد، عن الأَعمش: أنه سنة (وَرَهَنَهُ دِرْعَهُ) وفي رواية للبخاريّ: "ورهنه درعًا منْ حديد". وهو -بكسر الدال المهملة، وسكون الراء- قَالَ الفيّوميّ: درع الحديد مؤنّثة فِي الأكثر، وتُصغّر عَلَى دُريع، بغير هاء عَلَى غير قياس، وجاز أن يكون التصغير عَلَى لغة منْ ذكّر، وربما قيل: دُريعةٌ بالهاء، وجمعها أدرُعٌ، ودُرُوعٌ، وأَدْراعٌ. قَالَ ابن الأثير: وهي الزَّرَدِيَّةُ. انتهى.
واستدل به عَلَى جواز بيع السلاح منْ الكافر، ووقع عند البخاريّ فِي أواخر "المغازي" منْ طريق الثوري، عن الأعمش، بلفظ: "تُوفّي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ودرعه مرهونة"، وفي حديث أنس، عند أحمد: "فما وجد ما يَفتَكُّها به".
وفيه دليل عَلَى أن المراد بقوله -صلى الله عليه وسلم-، فِي حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-: "نفس المؤمن معلقة بدينه، حَتَّى يُقضَى عنه"، وهو حديث صححه ابن حبّان وغيره، محله فِي غير نفس الأنبياء، فإنها لا تكون معلقة بدين، فهي خصوصية، أو لمن لم يترك عند صاحب الدين ما يحصل له به الوفاء، وإليه جنح الماوردي.
وذكر ابن الطلاع فِي "الأقضية النبوية": أن أبا بكر افْتَكّ الدرع بعد النبيّ -صلى الله عليه وسلم-. لكن رَوَى ابن سعد عن جابر -رضي الله عنه- أن أبا بكر -رضي الله عنه- قضى عِدَات النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وأن عليا قضى ديونه. وروى إسحاق بن راهويه فِي "مسنده" عن الشعبي، مرسلا أن أبا بكر افْتَكّ الدرع، وسلمها لعلي بن أبي طالب.
وأما منْ أجاب بأنه -صلى الله عليه وسلم- افتكها قبل موته، فمعارض بحديث عائشة رضي الله عنها المذكور. أفاده فِي "الفتح" 5/ 441. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب، وهو المستعان، وعليه التكلان.

الصفحة 56