كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 35)

فلا يجوز له أن يعامله بما فيه غشّ، أو خِداع. (ومنها): البيع بشرط السلف. (ومنها): تحريم اشتراط شرطين فِي بيع. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): فِي البحث القيّم الذي كتبه الإِمام ابن القيّم رحمه الله تعالى عَلَى هَذَا الْحَدِيث فِي كتابه "تهذيب السنن"، وهو بحث طويلٌ مفيدٌ، أحببت إيراده لنفاسته:
قَالَ رحمه الله تعالى: هَذَا الْحَدِيث أصلٌ منْ أصول المعاملات، وهو نصّ فِي تحريم الحيل الرِّبويّة، وَقَدْ اشتمل عَلَى أربعة أحكام:
[الحكم الأول]: تحريم الشرطين فِي البيع، وَقَدْ أشكل عَلَى أكثر الفقهاء معناه، منْ حيث إن الشرطين، إن كانا فاسدين، فالواحد حرام، فأيّ فائدة لذكر الشرطين؟ وإن كانا صحيحين لم يحرُما.
فَقَالَ ابن المنذر: قَالَ أحمد، وإسحاق فيمن اشترى ثوبًا، واشترط عَلَى البائع خياطته، وقِصَارته، أو طعامًا، واشترط طحنه، وحمله-: إن شرط أحد هذه الأشياء، فالبيع جائز، وإن شرط شرطين، فالبيع باطل. وهكذا فسّره القاضي أبو يعلى، وغيره.
وعن أحمد فِي تفسيره رواية ثانية، حكاها الأثرم، وهو أن يشتريها -يعني الجارية- عَلَى أن لا يبيعها منْ أحد، ولا يطأها، ففسّره بالشرطين الفاسدين.
وعنه رواية ثالثة، حكاها إسماعيل بن سعيد الشالنجيّ عنه، وهو أن يقول: إذا بعتها فأنا أحقّ بها بالثمن، وأن تخدمني سنة. ومضمون هذه الرواية أن الشرطين يتعلّقان بالبائع، فيبقى له علقتان، علقة قبل التسليم، وهي الخدمة، وعلقة بعد التسليم، وهي كونه أحقّ بها، فأما اشتراط الخدمة، فيصحّ، وهو استثناء منفعة المبيع مدّة، كاستثناء ركوب الدابّة، ونحوه. وأما شرط كونه أحقّ بها بالثمن، فَقَالَ فِي رواية المروزيّ: هو فِي معنى حديث النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "لا شرطان فِي بيع"، يعني لأنه شرط أن يبيعه إياه، وأن يكون البيع بالثمن الأول، فهما شرطان فِي بيع. وروى عنه إسماعيل بن سعيد: جواز هَذَا البيع، وتأوله بعض أصحابنا عَلَى جوازه مع فساد الشرط، وحمل رواية المروزيّ عَلَى فساد الشرط وحده، وهو تأويل بعيد، ونصّ أحمد يأباه. قَالَ إسماعيل بن سعيد: ذكرت لأحمد حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- أنه قَالَ: "ابتعت منْ امرأتي زينب الثقفيّة جاريةً، وشرطت لها أني إن بعتها، فهي لها بالثمن الذي ابتعتها به، فذكرت ذلك لعمر -رضي الله عنه-، فَقَالَ: لا تقربها, ولأحمد فيها شرط"، فَقَالَ أحمد: البيع جائزٌ، ولا تقربها، لأنه كَانَ فيها شرط واحد للمرأة، ولم يقل عمر فِي ذلك البيع: إنه فاسد.
فهذا يدلّ عَلَى تصحيح أحمد للشرط منْ ثلاثة أجه:

الصفحة 65