كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 35)

[أحدها]: أنه قَالَ: "لا تقربها"، ولو كَانَ الشرط فاسدًا لم يمنع منْ قربانها.
[الثاني]: أنه علّل ذلك بالشرط، فدلّ عَلَى أن المانع منْ القربان هو الشرط، وأن وطئها يتضمّن إبطال ذلك الشرط؛ لأنها قد تحمل، فيمتنع عودها إليها.
[الثالث]: أنه قَالَ: "كَانَ فيها شرط واحد للمرأة"، فذكِرُهُ وحدةَ الشرط يدلّ عَلَى أنه صحيحٌ عنده؛ لأن النهي إنما هو عن الشرطين.
وَقَدْ حكى عنه بعض أصحابنا رواية صريحة، أن البيع جائزٌ، والشرط صحيحٌ، ولهذا حمل القاضي منعه منْ الوطء عَلَى الكراهة؛ لأنه لا معنى لتحريمه عنده، مع فساد الشرط. وحمله ابن عقيل عَلَى الشبهة؛ للاختلاف فِي صحّة هَذَا العقد. وَقَالَ القاضي فِي "المجرّد": ظاهر كلام أحمد أنه متى شرط فِي العقد شرطين بطل، سواء كانا صحيحين، أو فاسدين، لمصلحة العقد، أو لغير مصلحته؛ أخذًا بظاهر الْحَدِيث، وعملاً بعمومه.
وأما أصحاب الشافعيّ، وأبي حنيفة: فلم يفرّقوا بين الشرط والشرطين، وقالوا: يبطل البيع بالشرط الواحد؛ لنهي النبيّ -صلى الله عليه وسلم- عن بيع وشرط، وأما الشروط الصحيحة, فلا تؤثّر فِي العقد، وإن كثُرت، وهؤلاء ألغوا التقييد بالشرطين، ورأوا أنه لا أثر له أصلاً.
وكلّ هذه الأقوال بعيدة عن مقصود الْحَدِيث، غير مرادة منه.
فأما القول الأول: وهو أن يشترط حمل الحطب، وتكسيره، وخياطة الثوب، وقِصَارته، ونحو ذلك، فبعيد، فإن اشتراط منفعة البائع فِي المبيع، إن كَانَ فاسدًا فسد الشرط والشرطان، وإن كَانَ صحيحًا، فأيّ فرق بين منفعة، ومنفعتين، أو منافع؟ لاسيّما والمصححون لهذا الشرط قالوا: هو عقد قد جمع بيعًا، وإجارةً، وهما معلومان لم يتضمّنا غررًا، فكانا صحيحين، وإذا كَانَ كذلك، فما الموجب لفساد الإجارة عَلَى منفعتين، وصحّتها عَلَى منفعة؟ وأيُّ فرق بين أن يشترط عَلَى بائع الحطب حمله، أو حمله ونقله، أو حمله وتكسيره؟.
وأما التفسير الثاني: وهو الشرطان الفاسدان، فأضعف وأضعف؛ لأن الشرط الواحد الفاسد منهيّ عنه، فلا فائدة فِي التقييد بشرطين فِي بيع، وهو يتضمّن زيادة فِي اللفظ، وإيهامًا لجواز الواحد، وهذا ممتنع عَلَى الشارع مثله؛ لأنه زيادة مخلّة بالمعنى.
وأما التفسير الثالث، وهو أن يشترط أنه إن باعها، فهو أحقّ بها بالثمن، وأن ذلك يتضمّن شرطين: أن لا يبيعها لغيرها، وأن يبيعها إياها بالثمن، فكذلك أيضًا، فإن كل واحد منهما إن كَانَ شرطًا فاسدًا، فلا أثر للشرطين، وإن كَانَ صحيحًا لم يفسُد

الصفحة 66