كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 35)

الشرط يُطلق عَلَى العقد نفسه؛ لأنهما تشارطا عَلَى الوفاء به، فهو مشروط، والشرط يُطلق عَلَى المشروط كثيرًا، كالضرب يُطلق عَلَى المضروب، والخلق يطلق عَلَى المخلوق، والنسخ يُطلق عَلَى المنسوخ، فالشرطان كالصفقتين سواءً، فشرطان فِي بيع كصفقتين فِي صفقة.
وإذا أردت أن يتّضح لك هَذَا المعنى، فتأمل نهيه -صلى الله عليه وسلم- فِي حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن بيعتين فِي بيعة، و"عن سلف وبيع، رواه أحمد، ونهيه فِي هَذَا الْحَدِيث عن شرطين فِي بيع، وعن سلف وبيع، فجمع السلف والبيع، مع الشرطين فِي البيع، ومع البيعتين فِي البيعة.
وسرّ ذلك أن كلا الأمرين يؤول إلى الربا، وهو ذريعة إليه، أما البيعتان فِي بيعة، فظاهرٌ، فإنه إذا باعه السلعة إلى شهر، ثم اشتراها منه بما شرطه له، كَانَ قد باع بما شرطه له بعشرة نسيئةً، ولهذا المعنى حرّم الله، ورسوله العينة. وأما السلف والبيع، فلأنه إذا أقرضه مائة إلى سنة، ثم باعه ما يُساوي خمسين بمائة، فقد جعل هَذَا المبيع ذريعة إلى الزيادة فِي القرض الذي موجبه ردّ المثل، ولولا هَذَا البيع لما أقرضه، ولولا عقد القرض لما اشترى ذلك، فظهر سرّ قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحلّ سلف وبيعٌ، ولا شرطان فِي بيع"، وقول ابن عمر: "نُهي عن بيعتين فِي بيعة، وعن سلف وبيع"، واقتران إحدى الجملتين بالأخرى لما كانا سلّمًا إلى الربا. ومن نظر فِي الواقع، وأحاط به علمًا فهم مراد الرسول -صلى الله عليه وسلم- منْ كلامه، ونزّله عليه، وعلم أنه كلام منْ جُمعت له الحكمة، وأُوتي جوامع الكلم، فصلوات الله وسلامه عليه، وجزاه أفضل ما جزى نبيّا عن أمته.
وَقَدْ قَالَ بعض السلف: اطلبوا الكنوز تحت كلمات رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
ولما كَانَ موجب عقد القرض ردّ المثل منْ غير زيادة، كانت الزيادة ربا.
قَالَ ابن المنذر: أجمعوا عَلَى أن المسلف إذا شرط عَلَى المستسلف زيادةً، أو هديّةً، فأسلف عَلَى ذلك، أن أخذه الزيادة عَلَى ذلك ربا. وَقَدْ رُوي عن ابن مسعود، وأُبيّ بن كعب، وابن عبّاس -رضي الله عنهم- "أنهم نهوا عن قرض جرّ منفعةً"، وكذلك إن شرط أن يؤجره داره، أو يبيعه شيئًا، لم يجز؛ لأنه سُلّمٌ إلى الربا, ولهذا نهى عنه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، ولهذا منع السلف -رضي الله عنهم- منْ قبول هديّة المقترض، إلا أن يحتسبها المقرض منْ الدين.
فروى الأثرم: أن رجلاً كَانَ له عَلَى سمّاك عشرون درهمًا، فجعل يُهدي إليه السمك، ويقوّمه، حَتَّى بلغ ثلاثة عشر درهمًا، فسأل ابن عبّاس، فَقَالَ: أعطه سبعة دراهم. ورُوي عن ابن سيرين أن عمر أسلف أبي بن كعب عشرة آلاف درهم، فأهدى إليه أُبيّ منْ ثمرة أرضه، فردّها عليه، ولم يقبلها، فأتاه أبيّ، فَقَالَ: لقد علم أهل

الصفحة 68