كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 35)

رجال الصحيح. (ومنها): أنه مسلسل بثقات المكيين، غير شيخه، فبغلانيّ، وفيه عبد الله بن كثير أحد القرّاء السبعة، الذي قَالَ عنه الشاطبيّ فِي "حرز الأماني":
وَمَكَّةُ عَبْدُ اللهِ فِيهَا مُقَامُهُ ... هُوَ ابْنُ كَثِيرٍ كَاثِرُ الْقَوْمِ مُعْتَلَى
وفيه ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما، حبر الأمة، وبحرها، وأحد المكثرين السبعة، وأحد العبادلة الأربعة. والله تعالى أعلم.
شرح الْحَدِيث
(عَنْ أَبِي الْمِنْهَالِ) عبد الرحمن بن مطعم، أنه (قَالَ: سَمِعْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ) رضي الله تعالى عنهما (قَالَ: قَدِمَ) بكسر الدال المهملة، منْ باب تعب (رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- الْمَدِينَةَ، وَهُمْ يُسْلِفُونَ) بضمّ أوله، منْ الإسلاف، أو التسليف، يقال: أسلف إسلافًا، وسلّف تسليفًا، والاسم السّلَف، وهو عَلَى وجهين: [أحدهما]: قرض، لا منفعة للمقرض غير الأجر، والشكر. [والثاني]: أن يُعطي مالاً فِي سلعة إلى أجل معلوم. قاله السنديّ. والمراد هنا الثاني.
(فِي التَّمْرِ) بفتح المثنّاة الفوقيّة، وفي رواية للشيخين: "فِي الثمار"، بالثاء المثلّثة، وفي رواية للبخاريّ "فِي الثمر" بالثاء المثلّثة أيضًا.
وَقَالَ القرطبيّ رحمه الله تعالى: إنما جرى ذكر التمر فِي هذه الرواية؛ لأنه غالب ما يُسلم فيه عندهم. انتهى.
(السَّنَتَيْنِ، وَالثَّلَاثَ) منصوب عَلَى الظرفيّة متعلّق بـ"يُسلفون"، وَقَالَ السنديّ: منصوب إما عَلَى نزع الخافض، أي إلى السنتين، أو عَلَى المصدر: أي إسلاف السنتين. انتهى.
(فَنَهَاهُمْ) أي منعهم منْ الإسلاف إلى أجل مجهول، لا أنه منعهم منْ أصل السلف؛ لقوله (وَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- (مَنْ أَسْلَفَ) بالهمز، وفي رواية للبخاريّ منْ طريق ابن عُليّة، عن ابن أبي نَجيح: "منْ سلّف" بتشديد اللام، وهو بمعناه، كما سبق بيانه (سَلَفًا) اسم مصدر لـ "أسلف"، وفي رواية البخاريّ: "منْ أسلف فِي شيء" (فَلْيُسْلِفْ) بضم حرف المضارعة، منْ الإسلاف، أو التسليف (فِي كَيْلٍ مَعْلُومٍ، وَوَزْنِ مَعْلُومٍ) هكذا الرواية بالواو، وهي هنا بمعنى "أو"؛ لأن المراد اعتبار الكيل فيما يُكال، والوزن فيما يوزن.
وَقَالَ السنديّ: قوله: "ووزن معلوم" بالواو فِي الأصول، فقيل: الواو للتقسيم: أي بمعنى "أو": أي قيل فيما يكال، ووزن فيما يوزن. وقيل: بتقدير شرط: أي فِي كيل معلوم، إن كَانَ كيليّا، ووزن معلوم، إن كَانَ وزنيّا، أو منْ أسلف فِي مكيل، فليُسلف فِي كيل معلوم، ومن أسلف فِي موزون، فليُسلف فِي وزن معلوم. انتهى.

الصفحة 83