كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 35)

وقوله تعالى: {إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ} الآية، ومن السنّة أنه -صلى الله عليه وسلم- استسلف منْ رجل بكرًا" الْحَدِيث رواه مسلم، وسيأتي فِي الباب التالي، إن شاء الله تعالى. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه]: ذكر العلماء لصحة السلم ستة شروط؛ استنباطًا منْ حديث الباب، وغيره، فمنها ما هو مجمع عليه، ومنها ما هو مختلف فيه، وسأورد هذه الشروط مع بيان بعض ما يتفرّع منها منْ المسائل، ملخّصًا منْ كلام الإِمام العلامة موفّق الدين أبي محمد ابن قُدامة رحمه الله تعالى، فِي كتابه المفيد "المغني"، وأرتّبها فِي مسائل متممة للمسائل الماضية فأقول:
(المسألة الرابعة): فِي الكلام عَلَى الشرط الأول:
قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: ما حاصله: الشرط الأول أن يكون المسلم فيه، مما ينضبط بالصفات التي يختلف الثمن باختلافها ظاهرا، فيصح فِي الحبوب، والثمار، والدقيق، والثياب، والإبريسم، والقطن، والكتان، والصوف، والشعر، والكاغد، والحديد، والرصاص، والصفر، والنحاس، والأدوية، والطيب، والخلول، والأدهان، والشحوم، والألبان، والزئبق، والشَّبّ، والكبريت، والكحل، وكل مكيل، أو موزون، أو مذروع، وَقَدْ جاء الْحَدِيث فِي الثمار، وحديث بن أبي أوفى -رضي الله عنه- فِي الحنطة، والشعير، والزبيب، والزيت، وأجمع أهل العلم عَلَى أن السلم فِي الطعام جائز، قاله ابن المنذر، وأجمعوا عَلَى جواز السلم فِي الثياب.
ولا يصح السلم فيما لا ينضبط بالصفة، كالجوهر، منْ اللؤلؤ، والياقوت، والفيروزج، والزبرجد، والعقيق، والبِلَّوْر؛ لأن أثمانها تختلف اختلافا متباينا بالصغر، والكبر، وحسن التدوير، وزيادة ضوئها، وصفائها, ولا يمكن تقديرها ببيض العصفور ونحوه؛ لأن ذلك يختلف، ولا بشيء معين؛ لأن ذلك يَتْلَف، وهذا قول الشافعيّ، وأصحاب الرأي، وحكي عن مالك صحة السلم فيها، إذا اشترط منها شيئا معلوما، وإن كَانَ وزنا فبوزن معروف، والذي قلناه أولى لما ذكرنا.
ولا يصح فيما يَجمع أخلاطا مقصودة، غير متميزة، كالغالية، والنَّدّ، والمعاجين، التي يتداوى بها؛ للجهل بها, ولا فِي الحوامل منْ الحيوان؛ لأن الولد مجهول، غير متحقق، ولا فِي الأواني المختلفة الرؤوس والأوساط؛ لأن الصفة لا تأتي عليه.
وفيه وجه آخر أنه يصح السلم فيه، إذا ضُبط بارتفاع حائطه، ودور أعلاه وأسفله؛ لأن التفاوت فِي ذلك يسير، ولا يصح فِي القَسِيّ المشتملة عَلَى الخشب، والقرن، والعصب، والتُّوز (¬1)؛ إذ لا يمكن ضبط مقادير ذلك، وتمييز ما فيه منها. وقيل: يجوز السلم فيها،
¬__________
(¬1) "التُّوز" عدّ فِي: "القاموس" منْ معانيها: أنه شجر، وخشبة يُلعب بها بالكجة. والله أعلم.

الصفحة 85