كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 35)

والأولى ما ذكرنا. قَالَ القاضي والذي يجمع أخلاطا عَلَى أربعة أضرب: [أحدها]: مختلط مقصود متميز، كالثياب المنسوجة منْ قطن وكتان، أو قطن وإبريسم، فيصح السلم فيها؛ لأن ضبطها ممكن. [الثاني]: ما خلطه لمصلحته، وليس بمقصود فِي نفسه، كالإنفحة فِي الجبن، والملح فِي العجين والخبز، والماء فِي خل التمر والزبيب، فيصح السلم فيه؛ لأنه يسير لمصلحته. [الثالث]: أخلاط مقصودة غير متميزة، كالغالية والند والمعاجين، فلا يصح السلم فيها؛ لأن الصفة لا تأتي عليها. [الرابع]: ما خلطه غير مقصود، ولا مصلحة فيه، كاللبن المشوب بالماء، فلا يصح السلم فيه. انتهى "المغني" 6/ 385 - 386. وهو بحث نفيس. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): مما يتفرّع عَلَى الشرط المذكور مما اختلف فيه أهل العلم السلم فِي الحيوان:
قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: واختلفت الرواية -أي عن أحمد- فِي السلم فِي الحيوان، فرُوي لا يصح السلم فيه، وهو قول الثوري، وأصحاب الرأي، وروي ذلك عن عمر، وابن مسعود، وحذيفة، وسعيد بن جبير، والشعبي، والجوزجاني؛ لما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، أنه قَالَ: إن منْ الربا أبوابا، لا تخفى وإن منها السلمَ فِي السنّ، ولأن الحيوان يختلف اختلافا متباينا، فلا يمكن ضبطه، وإن استقصى صفاته التي يختلف بها الثمن مثل أزج الحاجبين، أكحل العينين، أقنى الأنف، أشم العرنين، أهدب الأشفار، أَلْمَى الشفة (¬1) بديع الصفة، تعذر تسليمه؛ لندرة وجوده عَلَى تلك الصفة. وظاهر المذهب صحة السلم فيه، نص عليه فِي رواية الأثرم. قَالَ ابن المنذر: وممن روينا عنه أنه لا بأس بالسلم فِي الحيوان: ابنُ مسعود، وابن عباس، وابن عمر، وسعيد بن المسيب، والحسن، والشعبي، ومجاهد، والزهري، والأوزاعي، والشافعي، وإسحاق، وأبو ثور، وحكاه الجوزجاني عن عطاء، والحكم؛ لأن أبا رافع -رضي الله عنه-، قَالَ: "استسلف النبيّ -صلى الله عليه وسلم- منْ رجل بكرا"، رواه مسلم، ورَوَى عبد الله بن عمرو بن العاص، قَالَ: "أمرني رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، أن أبتاع البعير بالبعيرين وبالأبعرة، إلى مجيء الصدقة"، ولأنه ثبت فِي الذمة صداقا، فثبت فِي السلم، كالثياب، فأما حديث عمر فلم يذكره أصحاب الاختلاف (¬2)، ثم هو محمول
¬__________
(¬1) زَجّ الحاجبُ: دقّ فِي طول، وتقوّس. وقَنَى الأنف: ارتفاع وسط قصبته. وشمُّ الأنف: ارتفاع قصبته قليلاً فِي استواء. أهدب الأشفار: طويلها. ألمى الشفة أسمر الشفة، وهي تستحسن.
(¬2) هكذا قَالَ، ولعله يريد أصحاب اختلاف الْحَدِيث، وحاصله أنه يحتاج إلى ثبوته أولا، ثم يطلب الجمع بين الاختلافات.

الصفحة 86