كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 35)

المرجع والمآب ..
(المسألة الثانية عشرة): فِي الكلام عَلَى الشرط الخامس: وهو كون المسلم فيه عام الوجود فِي محله، قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: ولا نعلم فيه خلافا، وذلك لأنه إذا كَانَ كذلك، أمكن تسليمه عند وجوب تسليمه، وإذا لم يكن عام الوجود، لم يكن موجودا عند المحل بحكم الظاهر، فلم يمكن تسليمه، فلم يصح بيعه، كبيع الآبق، بل أولى، فإن السلم احتُمِل فيه أنواعٌ منْ الغرر للحاجة، فلا يُحتَمل فيه غرر آخر؛ لئلا يكثر الغور فيه، فلا يجوز أن يسلم فِي العنب، والرطب، إلى شباط أو آذار، ولا إلى محل لا يعلم وجوده فيه، كزمان أول العنب، أو آخره، الذي لا يوجد فيه إلا نادرا، فلا يؤمن انقطاعه.
ولا يجوز أن يُسلم فِي ثمرة بستان بعينه، ولا قرية صغيرة؛ لكونه لا يؤمن تلفه وانقطاعه. قَالَ ابن المنذر: إبطال السلم إذا أسلم فِي ثمرة بستان بعينه، كالإجماع منْ أهل العلم، وممن حفظنا عنه ذلك الثوري، ومالك، والأوزاعي، والشافعي، وأصحاب الرأي، وإسحاق، قَالَ: ورَوينا عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: أنه أسلف إليه رجل منْ اليهود دنانير، فِي تمر مسمى، فَقَالَ اليهودي: منْ تمر حائط بني فلان، فَقَالَ النبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "أما منْ حائط بني فلان فلا, ولكن كيلٌ مسمى، إلى أجل مسمى"، رواه ابن ماجه (¬1) وغيره، ورواه أبو إسحاق الجوزجاني فِي "المترجم"، وَقَالَ: أجمع النَّاس عَلَى الكراهة لهذا البيع، ولأنه إذا أسلم فِي ثمرة بستان بعينه، لم يؤمن انقطاعه وتلفه، فلم يصح كما لو أسلم فِي شيء، قدّره بمكيال معين، أو صنجة معينة، أو أحضر خرقة، وَقَالَ أسلمت إليك فِي مثل هذه.
[تنبيه]: لا يشترط كون المسلم فيه موجودا، حال السلم، بل يجوز أن يسلم فِي الرُّطَب فِي أوان الشتاء، وفي كل يوم معدوم، إذا كَانَ موجودا فِي المحل، وهذا قول مالك، والشافعي، وإسحاق، وابن المنذر. وَقَالَ الثوري، والأوزاعي، وأصحاب الرأي: لا يجوز حَتَّى يكون جنسه موجودا حال العقد إلى حين المحل؛ لأن كل زمن يجوز أن يكون محلا للمسلم فيه؛ لموت المسلم إليه، فاعتبر وجوده فيه كالمحل.
واحتجّ الأولون بأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قدم المدينة، وهم يسلفون فِي الثمار السنة والسنتين، فَقَالَ: "منْ أسلف فليسلف فِي كيل معلوم"، ولم يذكر الوجود، ولو كَانَ شرطا لذكره، ولنهاهم عن السلف سنتين؛ لأنه يلزم منه انقطاع المسلم فيه أوسط السنة، ولأنه يثبت
¬__________
(¬1) رواه ابن ماجه فِي: "سننه" 2/ 766 وهو ضعيف؛ لأن فِي إسناده الوليد بن مسلم، وهو معروف بالتدليس، وَقَدْ عنعنه.

الصفحة 92