كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 35)

فِي الذمة، ويوجد فِي محله غالبا، فجاز السلم فيه كالموجود، ولا نسلم أن الدين يحل بالموت، وإن سلمنا فلا يلزم أن يشترط ذلك الوجود، إذ لو لزم أفضى إلى أن تكون آجال السلم مجهولة، والمحل ما جعله المتعاقدان محلا، وهاهنا لم يجعلاه.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: ما قاله الأولون هو الحقّ؛ لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- حينما بيّن لهم التعامل الصحيح فِي السلم لم يستفصلهم ذلك، فدلّ عَلَى أنه يجوز، ولو كَانَ ينقطع فِي بعض الأحيان، فإن الشرط وجوده وقت حلول الأجل. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
[تنبيه آخر]: إذا تعذر تسليم المسلم فيه عند المحل، إما لغيبة المسلم إليه، أو عجزه عن التسليم، حَتَّى عُدم المسلم فيه، أو لم تحمل الثمار تلك السنة، فالْمُسْلِم بالخيار بين أن يصبر إلى أن يوجد، فيطالب به، وبين أن يَفسخ العقد، ويرجع بالثمن، إن كَانَ موجودا، أو بمثله إن كَانَ مثليا، وإلا بقيمته، وبه قَالَ الشافعيّ، وإسحاق، وابن المنذر. وقيل: إنه ينفسخ العقد بنفس التعذر؛ لكون المسلم فيه منْ ثمرة العام، بدليل وجوب التسليم منها، فإذا هلكت انفسخ العقد، كما لو باعه قفيزا منْ صبرة، فهلكت، والأول هو الصحيح، فإن العقد قد صح، وإنما تعذر التسليم، فهو كما لو اشترى عبدا، فأبق قبل القبض. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الثالثة عشرة): فِي الكلام عَلَى الشرط السادس: وهو أن يقبض رأس مال السلم فِي مجلس العقد، فإن تفرقا قبل ذلك بطل العقد، وبهذا قَالَ أبو حنيفة، والشافعي، وَقَالَ مالك: يجوز أن يتأخر قبضه يومين وثلاثة، وأكثر ما لم يكن ذلك شرطا؛ لأنه معاوضة لا يخرج بتأخير قبضه منْ أن يكون سلما، فأشبه ما لو تأخر إلى آخر المجلس.
وحجة الأولين: أنه عقد معاوضة لا يجوز فيه شرط تأخير العوض المطلق، فلا يجوز التفرق فيه قبل القبض كالصرف، ويفارق المجلس ما بعده بدليل الصرف.
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: عندي ما قاله مالك رحمه الله تعالى هو الظاهر؛ لأنه لم يرد نصّ باشتراط القبض، وما ذكروه منْ الاستدلال ليس بواضح. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة عشرة): فِي اختلافهم فِي اشتراط معرفة صفة الثمن المعيّن:
قَالَ الموفّق رحمه الله تعالى: لا خلاف فِي اشتراط معرفة صفته، إذا كَانَ فِي الذمة؛ لأنه أحد عوضي السلم، فإذا لم يكن معينا اشترط معرفة صفته كالمسلم فيه، إلا أنه إذا أطلق، وفي البلد نقد معين، انصرف الإطلاق إليه، وقام مقام وصفه، فأما إن كَانَ الثمن

الصفحة 93