كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 35)

5/ 336 - 337. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الرابعة): فِي حكم القرض:
قَالَ فِي "المغني" 6/ 429 - 430: والقرض مندوب إليه فِي حق المقرض، مباح للمقترض؛ لما روينا منْ الأحاديث؛ ولما رَوَى أبو هريرة -رضي الله عنه-: أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، قَالَ: "منْ نفّس عن مؤمن كربة منْ كرب الدنيا، نفّس الله عنه كربة منْ كرب يوم القيامة، ومن يسّر عَلَى معسر، يسّر الله عليه فِي الدنيا والآخرة، ومن ستر مسلمًا، ستره الله فِي الدنيا والآخرة، والله فِي عون العبد، ما كَانَ العبد فِي عون أخيه" الْحَدِيث، أخرجه مسلم، وعن أبي الدرداء -رضي الله عنه- أنه قَالَ: لأن أقرض دينارين، ثم يردان، ثم أقرضهما أحب إلى منْ أن أتصدق بهما, ولأن فيه تفريجا عن أخيه المسلم، وقضاء لحاجته، وعونا له، فكان مندوبا إليه، كالصدقة عليه، وليس بواجب. قَالَ أحمد: لا إثم عَلَى منْ سئل القرض، فلم يقرض، وذلك لأنه منْ المعروف، فأشبه صدقة التطوع، وليس بمكروه فِي حق المقرض، قَالَ أحمد: ليس القرض منْ المسألة -يعني ليس بمكروه- وذلك لأن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، كَانَ يستقرض بدليل حديث أبي رافع -رضي الله عنه-، ولو كَانَ مكروها كَانَ أبعد النَّاس منه، ولأنه يأخذه بعوضه، فأشبه الشراء بدين فِي ذمته. قَالَ ابن أبي موسى: لا أحب أن يتحمل بأمانته، ما ليس عنده -يعني ما لا يقدر عَلَى وفائه- ومن أراد أن يستقرض، فليعلم منْ يسأله القرض بحاله، ولا يَغُرّه منْ نفسه، إلا أن يكون الشيء اليسير الذي لا يتعذر رد مثله. قَالَ أحمد: إذا اقترض لغيره، ولم يُعلمه بحاله لم يعجبني، وَقَالَ: ما أحب أن يقترض بجاهه لإخوانه، قَالَ القاضي: يعني إن كَانَ منْ يقترض له غير معروف بالوفاء؛ لكونه تغريرا بمال المقرض، وإضرارا به، أما إذا كَانَ معروفا بالوفاء لم يكره؛ لكونه إعانة له، وتفريجا لكربته. انتهى. وهو بحث مفيد جدًّا.
[تنبيه]: لا يصح القرض إلا منْ جائز التصرف؛ لأنه عقد عَلَى المال، فلم يصلح إلا منْ جائز التصرف كالبيع، وحكمه فِي الإيجاب والقبول حكم البيع عَلَى ما مضى، ويصح بلفظ السلف والقرض؛ لورود الشرع بهما، وبكل لفظ يؤدي معناهما، مثل أن يقول: ملكتك هَذَا عَلَى أن تَرُدّ عليّ بدله، أو توجد قرينة دالة عَلَى إرادة القرض. فإن قَالَ: ملكتك، ولم يذكر البدل، ولا وُجد ما يدل عليه، فهو هبة، فإن اختلفا فالقول قول الموهوب له؛ لأن الظاهر معه؛ لأن التمليك منْ غير عوض هبة. قاله فِي "المغني" 6/ 430 - 431. وهو تحقيق نفيس أيضًا. والله تعالى أعلم بالصواب، وإليه المرجع والمآب.
(المسألة الخامسة): فِي اختلاف أهل العلم فِي جواز اقتراض الحيوان:
قَالَ النوويّ رحمه الله تعالى: فيه ثلاثة مذاهب: [الأول]: مذهب الشافعيّ،

الصفحة 99