كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 36)

رجال الصحيح، غير شيخه الثاني، فمن أفراده. (ومنها): أن فيه رواية تابعيّ عن تابعيّ، وفيه أبو هريرة -رضي الله عنه- أحفظ منْ روى الْحَدِيث فِي دهره. والله تعالى أعلم.
شرح الْحَدِيث
(عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-) وفي رواية البخاريّ منْ طريق حفص بن غِياث، عن الأعمش، قَالَ: سمعت أبا صالح، فصرّح الأعمش بالسماع، قَالَ فِي "الفتح": فِي رواية محمد بن الحسين، عن أبي الحنين، عن عمر بن حفص، شيخ البخاريّ فيه: "سمعت أبا هريرة"، وكذا فِي رواية عبد الواحد بن زياد، عن الأعمش، عن أبي صالح: سمعت أبا هريرة، وَقَالَ ابن حزم: وَقَدْ سلم منْ تدليس الأعمش، قَالَ الحافظ: ولم ينفرد به الأعمش، أخرجه أبو عوانة فِي "صحيحه"، منْ رواية أبي بكر بن عياش، عن أبي حَصِين، عن أبي صالح.
(قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ) أي طرده، الله تعالى، وأبعده منْ رحمته. قَالَ الداودي رحمه الله تعالى: هَذَا يحتمل أن يكون خبرا؛ ليرتدع منْ سمعه عن السرقة، ويحتمل أن يكون دعاء. قَالَ الحافظ: ويحتمل أن لا يراد به حقيقة اللعن، بل للتنفير فقط. وَقَالَ الطيبي: لعل هنا المراد باللعن الإهانة، والخذلان، كأنه قيل لَمّا استعمل أعز شيء، فِي أحقر شيء-: خذله الله حَتَّى قطع. وَقَالَ عياض: جوز بعضهم لعن المعين، ما لم يُحَدَّ؛ لأن الحد كفارة، قَالَ: وليس هَذَا بسديد؛ لثبوت النهي عن اللعن فِي الجملة، فحمله عَلَى المعين أولى، وَقَدْ قيل: إن لعن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- لأهل المعاصي، كَانَ تحذيرا لهم عنها، قبل وقوعها، فإذا فعلوها استغفر لهم، ودعا لهم بالتوبة، وأما منْ أغلظ له، ولعنه تأديبا عَلَى فعلٍ فَعَله، فقد دخل فِي عموم شرطه، حيث قَالَ: "سألت ربي أن يجعل لعني له كفارة ورحمة".
قَالَ الحافظ: هو مقيد بما إذا صدر فِي حق منْ ليس له بأهل، كما قيد له بذلك فِي "صحيح مسلم".
قَالَ الجامع عفا الله تعالى عنه: هَذَا الذي قاله الحافظ هو الحقّ؛ لما فِي "صحيح مسلم" منْ طريق إسحق بن أبي طلحة، عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- قَالَ: كانت عند أم سليم يتيمة، -وهي أم أنس- فرأى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- اليتيمة، فَقَالَ؛ "آنت هيه؟ لقد كبرتِ، لا كبر سنك"، فرجعت اليتيمة إلى أم سليم تبكي، فقالت أم سليم: ما لك يا بنية؟ قالت الجارية: دعا علي نبي الله -صلى الله عليه وسلم-، أن لا يكبر سني، فالآن لا يكبر سني أبدا،

الصفحة 354