كتاب ذخيرة العقبى في شرح المجتبى (اسم الجزء: 36)

أو قالت: قرني (¬1)، فخرجت أم سليم، مستعجلة، تلوث خمارها (¬2) حَتَّى لقيت رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فَقَالَ لها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما لك يا أم سليم؟ "، فقالت: يا نبي الله، أدعوت عَلَى يتيمتي؟ قَالَ: "وما ذاك يا أم سليم؟ "، قالت: زعمت أنك دعوت أن لا يكبر سنها، ولا يكبر قرنها، قَالَ: فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ثم قَالَ: "يا أم سليم، أما تعلمين أن شرطي عَلَى ربي، أني اشترطت عَلَى ربي، فقلت: إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر، وأغضب كما يغضب البشر، فأيما أحد دعوت عليه، منْ أمتي بدعوة، ليس لها بأهل، أن يجعلها له طَهُورًا، وزكاةً، وقربة يقربه بها منه يوم القيامة".
فقد تبيّن بهذا أن لعنه -صلى الله عليه وسلم- إنما يكون كفارة ورحمة، إذا كَانَ الملعون لا يستحقّه، وإلا فلا. والله تعالى أعلم.
(يَسْرِقُ) بكسر الراء، منْ باب ضرب (الْبَيْضَةَ) بفتح الموحّدة، وسكون التحتانيّة: أي بيضة الدجاجة (فَتُقْطَعُ يَدُهُ، وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ) بفتح، فسكون (فَتُقْطَعُ يَدُهُ"). وهذا مثلٌ تقليل لمسروقه بالنظر إلى يده المقطوعة، فكأنه كالبيضة، والحبل، مما لا قيمة له. وقيل: المراد أنه يسرق البيضة، والحبل أوّلاً، ثم يجترىء إلى أن تُقطع يده. وقيل: المراد بالبيضة بيضة الحديد، وبالحبل حبل السفينة، وكلّ واحد منهما له قيمة، ولا يخفى أنه لا يناسب سياق الْحَدِيث، فإنه مسوقٌ لتحقير مسروقه، وتعظيم عقوبته.
قَالَ البخاريّ فِي "صحيحه" -بعد أن أخرج الْحَدِيث-: قَالَ الأعمش: كانوا يَرون أنه بيض الحديد، والحبلُ كانوا يرون أنه منها ما يُساوي دراهم. انتهى.
قَالَ فِي "الفتح": قوله: "كانوا يَرون" -بفتح أوله، منْ الرأي، وبضمه منْ الظن.
قَالَ الخطّابيّ: تأويل الأعمش هَذَا، غير مطابق لمذهب الْحَدِيث، ومخرج الكلام فيه، وذلك أنه ليس بالشائع فِي الكلام، أن يقال فِي مثل ما ورد فيه الْحَدِيث، منْ اللوم، والتثريب: أخزى الله فلانا، عَرَّض نفسه للتلف فِي مال له قدر ومزية، وفي عرض له قيمة، إنما يُضرب المثل فِي مثله بالشيء الذي لا وزن له، ولا قيمة، هَذَا حكم العرف الجاري فِي مثله، وإنما وجه الْحَدِيث، وتأويله ذم السرقة، وتهجين أمرها، وتحذير سُوء مَغَبَّتها فيما قَلَّ، وكَثُر منْ المال، كأنه يقول: إن سرقة الشيء اليسير، الذي لا قيمة له، كالبيضة الْمَذِرَة، والحبل الخَلَق، الذي لا قيمة له، إذا تعاطاه، فاستمرت به العادة، لم ييأس أن يؤديه ذلك إلى سرقة ما فوقها، حَتَّى يبلغ قدر
¬__________
(¬1) المراد بالقرن: السنّ.
(¬2) تلوث: أي تديره عَلَى رأسها.

الصفحة 355